عرض مشاركة واحدة
قديم 28-03-2013, 05:18 PM   #2

$Divo
عضو سوبر



الصورة الرمزية $Divo


• الانـتـسـاب » Dec 2012
• رقـم العـضـويـة » 108241
• المشـــاركـات » 2,157
• الـدولـة » [̲̅E̲̅][̲̅G̲̅][̲̅Y̲̅][̲̅P̲
• الـهـوايـة » ̶0۪۫A۪۫0۪۫R۪۫0۪۫M۪۫0
• اسـم الـسـيـرفـر » Private Server
• الـجـنـس » Male
• نقـاط التقييم » 2442
$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود$Divo مميز بلا حدود

$Divo غير متواجد حالياً

2371  


إرسال رسالة عبر Yahoo إلى $Divo إرسال رسالة عبر Skype إلى $Divo

افتراضي



إن الإنسان لابد وأن تقع منه مخالفات، وحيث أن المخالفات مختلفة من كبيرة كقتل النفس، وصغيرة ككذبة عفوية ونحوها، ولذا يختم الله سبحانه تلك الآيات المحذِّرة عن المحرّمات المذكورة بقوله سبحانه ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) كانتهاك العرض وأكل أموال الناس بالباطل وإراقة دماء الأبرياء ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) ومعنى التكفير الستر والغفران أن يغفر سائر السيئات لكم، ولا نؤاخذكم بما لابد وأن يقع من الإنسان في الحياة ((وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا))، أي مكاناً حسناً طيباً يُكرم صاحبه فيه، وكريم صفة الإنسان يُطلق على المحل، بعلاقة الحال والمحل، والمراد بالمدخل الكريم الجنة.



وحيث سبق الكلام حول أكل الأموال بالباطل، جرى السياق موضوع في موضوع أدق وهو تمنّي بعض الناس أن يكون نصيبهم كنصيب الآخرين، والتمنّي قد يكون مقروناً بطلب زوال النعمة من الآخر، وهذا هو الحسد المذموم الذي نهى عنه في هذه الآية، وقد يكون طلباً لأن يكون للإنسان مثل ما لأخيه وهذه هي الغبطة، وهذه وإن كانت خلاف الأدب -بالنسبة الى الأمور الدنيوية- لأنه يكشف عن ضِعة في النفس، لكنه ليس بمحرّم، وذكر مجمع البيان في سبب النزول ما لفظه، قيل جائت وافدة النساء الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالت : يارسول الله أليس الله رب الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعاً فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكرنا نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة فنزلت هذه الآية وقيل أن أُم سلمة قالت : يارسول الله يغزوا الرجال ولا تغزوا النساء وإنما لنا نصف الميراث فليتنا رجال فنغزوا ونبلغ ما يبلغ الرجال فنزلت الآية عن مجاهد، وقيل لما نزلت آية المواريث قال الرجال نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكونوا أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فنزلت الآية، وعلى أي حال فقد كان هناك تمنّي من أحد الجانبين فنهى الله عن ذلك بقوله ((وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فإن التمنّي مع قطع النظر عن عدم جدواه يكشف عن ضعف النفس وعدم تبصر الإنسان بالأمور إذ التفضيل لم يقع إعتباطاً، وإنما خلقة كل واحد من الرجال والنساء وسائر الملابسات الإجتماعية، أوجبت هذه المفاضلة من عليم حكيم، فلا يقل أحدكم ليت ما أعطى فلاناً من المال والجاه والتشريع كان من نصيبي ((لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ)) من المال والجاه والعمل ((وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)) من الأمور المذكورة، ثم ليس كل ما اكتسبه الرجل له بل قسم منه لله سبحانه يجب صرفه في سبيله من مال أو جاه أو طاقة، ولذا قال "مما اكتسبوا" وكذلك بالنسبة الى النساء، فهذا النصيب الذي قدّره سبحانه هو الذي ينبغي لكل منهما أن يقع به ولا يتوقع أن يكون له مثل ما للصنف الآخر ((وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ)) أن يعطيكم ما تريدون لا أن تحسدوا وتتمنوا زوال نعمة الآخرين وانتقالها إليكم فإنه سبحانه هو القاسم والمعطي ((إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) فيعلم ما تضمرونه من التمنّي والحسد، أو ما تنوون في قلوبكم من الإلتجاء إليه سبحانه في أن يوفّر عليكم الناقص الذي تريدون كما له ثم أن ظاهر قوله سبحانه "للرجال .." أن التمنّي كان بالنسبة الى الأمور الإكتسابية لا الأمور التكوينية.



وذكر سبحانه أن للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، أما القسم الآخر من الكسب، أي بعض ما إكتسب الرجال وبعض ما اكتسبن النساء، فإنهمن نصيبالوارث، وليسذلك على وجه الفريضة وإنما على نحو القضية الطبيعية فإنالطبيعة الغالبةجرت علىأنيتنعّمالإنسان بقسم مما اكتسبهويخلّف قسماً آخر من كسبه للوارث ((وَلِكُلٍّ)) من الرجال والنساء ((جَعَلْنَا مَوَالِيَ)) هو جمع مولى من ولي الشيء يليه ولاية وهو إتصال الشيء بالشيء من غير فاصل، يعني جعلنا للصنفين أشخاصاً وراثاً هم أولى بالتصرف في ما تركا إرثاً، وهؤلاء الموالي الورّاث يرثون ((مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ)) كل حسب تشريع الله له قسماً خاصاً من الإرث، فلكل من الرجال والنساء حق في الكسب وحق في الإرث فلا يتمنى أحد ما لغيره فإنّ الله سبحانه جعل ذلك ((وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)) لعل المراد أن الذين تعاقدتم معهم بالأيمان لإعطائهم حصة من تركتكم فاللازم إعطائهم نصيبهم المشروع من دون الثلث إذا كان عقد اليمين غير مُلزم، وما زاد عن الثلث إذا كان العقد ملزماً، وعلى أي حال فليس لهؤلاء إرث إذ لكل موالي خاصة فلا يُزاد عليهم بعقد الأيمان ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا))، أي حاضراً شاهداً، فلا تخالفوا أوامره بجعلغير الوارث وارثاً بعقد اليمين، أو عدم إعطاء "الذين عقدت أيمانكم" نصيبهم المقرر في الشريعة.



وحيث تقدّم أن لكل من الرجال والنساء نصيب أراد سبحانه أن يبيّن علّة زيادة الرجل في نصيب الإرث ونصيب الأمر والنهي على المرأة، فقال ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ)) جمع قوّام وهو القائم بالأمر المسلّط على الشيء ((عَلَى النِّسَاء)) ومن المعلوم أن المراد قوامية الرجل في الجملة، لا أن كل رجل قريب قوام على كل إمرأة قريبة ((بِمَا فَضَّلَ اللّهُ))، أي إن القوامية بسبب تفضيل الله سبحانه ((بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) فإن الله سبحانه فضّل الرجل على المرأة عقلاً وجسماً وتحمّلاً -كما هو واضح وقد ثبت في العلم الحديث- ولم يكن تفضيل الله سبحانه إعتباطاً فقد خُلقت المرأة لغاية غير ما خُلق لها الرجل فمثلهما مثل سيارتين : صغيرة تحمل الركاب وكبيرة تحمل الحديد والأخشاب ((وَبِـ)) سبب ((مَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) فإن نفقة الزوجة واجبة على الزوج ومن المعلوم أن هذا الواجب يُلزم أن يعوّض بحق فأعطى للزوج القوامية في قبال ما وجب عليه من النفقة، وكذلك بالنسبة الى المهر ((فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ))وإذ ثبت هذه القوامية فالنساء الصالحات الخيّرات سيحافظن على الهدوء والسكون والموافقة لأزواجهن ويتجنبن الشغب والتمرد والإستعلاء وتجاوز الحدود والنشوز، والقنوت بمعنى الإطاعة، أي فهنّ مطيعات للأزواج يحفظنهم في حضورهم ومغيبهم كما إن ذلك مقتضى كونهنّ مولى عليهنّ، والمراد بالغيب حالة غيبوبة الزوج بخروج أو سفر أو نحوهما، فلا يخنّهم في أنفسهم أو أموالهم أو نحو ذلك، ويكون هذا الحفظ منهن لهم ((بِـ)) سبب ((مَا حَفِظَ اللّهُ)) لهنّ من الكرامة والحقوق أو مستعينات بحفظ الله تعالى فإن الإنسان لا يتمكن من حفظ شيء إلا إذا شاء الله حفظه، أو بمقابلة حفظ الله، كان حفظ الله عوض لحفظهنّ إياهم، فالباء سببية، أو إستعانة أو مقابلة، أما المرأة التي لا تقنت وتريد الإستعلاء على الزوج ولا تراعي حقوق الرجل، فلها حكم خاص بيّنه سبحانه في قوله ((وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)) من نشز إذا إرتفع، أي عصيانهنّ، فكأنها إرتفعت عن حدّها ((فَعِظُوهُنَّ)) من الوعظ بالنصح والإرشاد وما أشبهها ((وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)) إن لم يفد الوعظ، والمضاجع جمع مضجع وهو محل النوم وفراشه وذلك بتحويل الظهر أو بعزل فرشه عن فرشها ((وَاضْرِبُوهُنَّ)) وفي بعض الأخبار أن الضرب بالسواك، ولا يخفى أن هذه المراتب بالتدرّج وإن كان الواو العاطفة لا تفيد ذلك كما قالوا، كما إن المرأة كثيراً ما تتأدب بالهجر والضرب الخفيف لأنهما يبعثان فيها العاطفة نحو الزوج ويتطلبان منها تحسين سلوكها ليرجع إليها قلب الزوج ((فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ)) ومن المقرر في الشريعة أن الإطاعة الواجبة على المرأة ليست إلا عدم الخروج بدون إذنه واستعدادها لتلبية الإستمتاعات متى أراد ((فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً))، أي لا تطلبوا لضررهن طريقاً بإيذائهنّ وعدم القيام باللطف والعطف المترقب من الزوج، بل سامحوهنّ، فقد قال الرسول (صلّة الله عليه وآله وسلّم) : (إنّ من حق المرأة على الرجل أن يغفر لها إذا جهلت) ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا)) فلا يتعال عليه أحد بقوته ((كَبِيرًا)) فلا أكبر منه.



((وَإِنْ خِفْتُمْ)) أيها الناس المحيطون بالزوجين ((شِقَاقَ بَيْنِهِمَا))، أي المخالفة والعداوة بين الزوجين، كان كل واحد منهما في شق وجانب غير شق الآخر وجانبه ((فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا)) فإن الحكمين حيث يعرفان ملابسات الزوجين يتمكنان من فصل الأمر على أحسن الوجوه وللحكمين الإصلاح وليس لهما الطلاق إلا برضى الزوج أو وكالة سابقة ((إِن يُرِيدَا)) يعني الحكمين ((إِصْلاَحًا)) بينهما ((يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا)) والضمير عائد الى الحكمين لقرب اللفظ، وربما يُقال عائد الى الزوجين ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا)) بمصالح العباد ((خَبِيرًا)) بما يضمره الحكمين ويفعلانه في أمر الإصلاح والإفساد.


ثم يتوجّه البيان الى العلاقات الإنسانية العامة بما فيها الأقربون وغيرهم، بعدما يفرغ من نظام الأسرة ويربطها بعبادة الله سبحانه الذي أمر بذلك، ويبيّن ما يجب على الإنسان تجاه الخالق وتجاه المخلوق ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ)) ومعنى العبادة منتهى الخضوع مما يُطلب من العبد قبال سيده، فإن العبادة والعبد من مادة واحدة ((وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ))، أي بالله ((شَيْئًا))، أي لا تجعلوا له شريكاً من حجر أو مدر أو جماد أو نبات أو ملائكة أو بشر، فإنه هو الإله الواحد الذي لا شريك له ((وَ)) أحسنوا ((بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) فإنهما واسطة خلقكم، وكثيراً ما يُقرن الإحسان إليهما بعبادة الله سبحانه في القرآن الكريم، الإفادةتأكّد لزوم الإحسان إليهما ((وَ)) أحسنوا ((بِذِي الْقُرْبَى)) القربى كاليسرى من اليُسر، أي أصحاب القرابة، وهذا تعميم بعد التخصيص ((وَالْيَتَامَى)) وهم الذين مات آبائهم، أو الأعم منهم وممن ماتت أمه ((وَالْمَسَاكِينِ)) هم الفقراء بصورة عامة ((وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)) ولمثله حقّان : حق الجوار وحق القرابة ((وَالْجَارِ الْجُنُبِ)) جُنُب بضم الأولين كعنق صفة بمعنى الغريب وكأنه باعتبار أن كلاً من الطرفين في جنب ((وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ))، أي صاحبك الذي بجنبك، سواء كان في مدرسة أو دكان أو سفر أو حضر أو غيرهما ((وَابْنِ السَّبِيلِ))، أي المنقطع عن بلده سواء كان ثرياً أم لا، ويسمى "إبن السبيل" لأنه لا يعرف شيء من ملابساته إلا السفر، يُقال "إبن البلد" و"إبن السبيل" و"إبن العمل"لمن يرتبط بهذه الأمور ((وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) من العبيد والإماء، وقد أطلق سبحانه الإحسان الى هؤلاء ليشمل صنوف الحفاوة والإكرام، وقد كان تأكيد الإسلام بالإحسان الى هؤلاء تمشياً مع روحه العام في توثيق صلة البشر بعضهم مع بعض، وجمعهم في رباط الود والحب والوئام ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)) المختال المتبختر المتكبر والفخور الذي يفخر بمناقبه كبراً واعتزازاً وتطاولاً، ذكر هذه الجملة هنا بمناسبة إن من أمَرَهُ سبحانه بالإحسان الى الأصناف المذكورة كثيراً ما يتطاول ويتكبر فلا يخضع للإحسان كما هو المشاهَد الى الآن فنهى سبحانه عن ذلك بعد ما أمر بالإحسان ليؤكده إثباتاً ونفياً.



وحيث إن الإحسان الى هؤلاء كثيراً ما يحتاج الى بذل المال، ذمّ سبحانه الذين لا يبذلون أموالهم في سبيل الله بقوله ((الَّذِينَ)) صفة "من كان مختالاً فخورا" ((يَبْخَلُونَ)) فلا ينفقون الأموال في سبيله سبحانه ((وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)) وكان هذا ملازم لصفة البخل فإن البخيل حيث جُبل على حب المال لا يتمكن أن يرى غيره ينفق ماله، وقد تشتد هذه الصفة حتى لا يتمكن البخيل أن يرى الإنفاق حتى على نفسه، فلو أنفق على البخيل مُنفق نهاه وأمَرَهُ بالكف ((وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) فإن البخلاء يكتمون أموالهم لئلا يُعرفون فيذمّهم الناس بعدم إنفاقهم في سبيل المعروف أما ما اشتُهر مِن "إستر ذهبك وذهابك ومذهبك" فإنه في محل الخوف لا مطلقاً ((وَأَعْتَدْنَا))، أي هيّئنا ((لِلْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون بنِعَم الله سبحانه ولا يعملون بما أمرهم الله سبحانه من إنفاق أموالهم ((عَذَابًا مُّهِينًا)) يهينهم ويكسر كبريائهم كما تكبّروا في الدنيا ولم يحسنوا الى من وجب الإحسان إليه، إختيالاً وافتخاراً، كما قال سبحانه (ذُق إنك أنت العزيز الكريم).



وهناك صفة أخرى ملازمة لعدم الإحسان الى الأصناف اليابقة، فإن المختال الذي لا يُحسن ويبخل لابد وأن يكون إنفاقه رئاءاً وسمعة لأن كبريائه يجبره على أن يشوب إنفاقه بما يلائم صفته، فقال سبحانه ((وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ)) وهذه الجملة عطف على قوله "الذين يبخلون" يعني أن إنفاقهم لأجل رؤية الناس حتى يعظمون في نفوسهم ويُمدحون بأنهم أهل خير وإنفاق، والمراد بالرئاء المثال وإلا فالسمعة كذلك ((وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) حتى يكون مخفزهم على الإنفاق أمر الله سبحانه ورضاه ((وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ)) حتى يكون باعثهم على البذل رجاء الثواب وخوف العقاب، ثم إنه كثيراً ما يعبّر بهذا التعبير عن عدم الإيمان الكامل لا مطلق الإيمان أو عدم الإيمان من هذه الجهة، وإن كان هناك إيمان من سائر الجهات، إذ الإيمان الكامل والإيمان من جميع الجهات يقتضي أن يكون باعث كل حركة وسكون هو الإيمان لا غيره، وذلك كما يُقال : فلان لا يطيع أباه، إذا لم يطع إطاعة كاملة أو إطاعة من جميع الجهات، فإنه لا يُراد بذلك عدم الإطاعة مطلقاً بل عدم الإطاعة الكاملة من جميع النواحي ((وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا)) مقترناً، بأن صاحبه ولازمه وائتمر بأوامره في البخل والرياء وعدم الإيمان ((فَسَاء قِرِينًا)) لأنه يدعوه الى المعصية الموجبة لذهاب دينه ودنياه.


((وَمَاذَا عَلَيْهِمْ))، أي أيُّ شيء يكون وأيُّ ضرر يتوجه الى هؤلاء الذين لا يؤمنون ولا ينفقون ((لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ)) فإنه بالعكس مما يظنون من أن الإيمان والإنفاق يسببان أضراراً ومشاكل، إذ الإيمان يوجب الهدوء والسكينة والإطمئنان وخير الدارين، والإنفاق يوجب تقدّم المجتمع وازدهاره مما يعود الى المُنفق بأكثر مما أنفقه ((وَكَانَ اللّهُ بِهِم))، أي بهؤلاء، أنفقوا وآمنوا أم لا ((عَلِيمًا)) فيجازيهم بأعمالهم إن خيراً فخيرا، وإن شراً فشرا.


((إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)) المثقال الثقل، والذرة هي الهباءة التي تُرى إذا دخلت الشمس من الكوّة، فمن أنفق لا يظن أن إنفاقه يذهب هباءاً، فإن الله سبحانه يجازيه على إنفاقه ولا يظلمه قدر ثقل ذرة ((وَإِن تَكُ)) الذرة التي أتى بها العبد ((حَسَنَةً)) عملاً خيراً ((يُضَاعِفْهَا)) فإن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ((وَيُؤْتِ)) لمن أحسن ((مِن لَّدُنْهُ)) دلالة على صدق الوعد وعظمه حيث أنه من لدن صادق كريم ((أَجْرًا عَظِيمًا)) وهو الثواب الباقي أبد الآبدين.



وإذ كان الله تعالى بهذه المثابة من العلم والعدل ((فَكَيْفَ)) بحال الناس الذين إنحرفوا عن الجادة وكفروا وبخلوا وعصوا ((إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ)) يشهد على أعمالهم، وهم أنبيائهم ومن جعله الله سبحانه واسطة بينه وبينهم في التبليغ وبلاغ الأحكام ((وَجِئْنَا بِكَ)) يارسول الله ((عَلَى هَؤُلاء)) القوم الذين أنت فيهم ((شَهِيدًا)) تشهد على أعمالهم في ذلك الموقف الرهيب.



((يَوْمَئِذٍ))، أي في يوم القيامة ((يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ)) الوار أما للتقسيم أي يودّ كل واحد منهما، أو للجميع أي يودّ الكافر العاصي ((لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ))، أي يُجعلون متساويين مع الأرض كما قال سبحانه (ويقول الكافر ياليتني كُنتُ تُرابا) ((وَ)) في ذلك اليوم ((لاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ))، أي لا يُخفون عن الله ((حَدِيثًا)) بل تشهد عليهم ألسنتهم وجوارحهم بكل ما عملوا من الكفر والسيئات والشرور، ففي مقابل كبرهم في الحياة يتمنّون بلع الأرض لهم هناك، وفي مقابل كتمانهم الحق في الدنيا لا يتمكنون من الكتمان هناك.



قد تقدّم الأمر بعبادة الله سبحانه فارتدّ السياق هنا الى بعض مصاديق العبادة وهو الصلاة والغسل فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى)) والنهي به النهي عن نفس الشيء لكن للمبالغة في التنزيه يُنهى عن الإقتراب عن القرب إنما يُراد كما قال سبحانه (لا تقربوا مال اليتيم)، و"سُكارى" جمع سكران ومن المعلوم أنه لا منافات بين السُكر الخفيف والصلاة وإنما السُكر الشديد المزيل للعقل تماماً لا يجتمع مع الصلاة ((حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)) فإن الصلاة إنما شُرعت للإقبال والسكران لا يعلم ما يقول ولا يحضر قلبه فيما ينطق به لسانه، و"حتى" هنا تصلح علّة للحكم كما تصلح غاية، فإذا شرب أحد الخمر -والعياذ بالله- فلا يُقبل على الصلاة إلا وقد زال أثرها بحيث يعلم ما يقول ((وَلاَ)) تقربوا الصلاة ((جُنُبًا)) بالإدخال أو الإنزال ((إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ))، أي في حال السفر فإن الغالب أن المسافر -قديماً- كان لا يجد الماء فيصلِّ جُنُباً بتيمّم إذ التيمّم لا يرفع جميع أثر الجنابة ولذا لو وجدوا الماء بطل تيمّمه ويلزم عليه الغُسُل ((حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ))، أي لا تقربوا الصلاة جُنُباً حتى تغتسلوا والإغتسال غسل للرأس والرقبة ثم الطرف الأيمن ثم الأيسر مع النيّة، أو الإرتماس في الماء دفعة واحدة بالنيّة ((وَإِن كُنتُم مَّرْضَى)) جمع مريض والمراد به المرض الذي يضره الماء وإن كان جرحاً أو نحوه ((أَوْ)) كنتم ((عَلَى سَفَرٍ))، أي مسافرين وكان الإتيان بلفظة "على" لما يكون المسافر عليه من الركوب على شيء، وقد تقدّم أن الكون على السفر لا يُبيح بنفسه التيمّم وإنما لغلبة صعوبة الماء فيه -في السابق- ((أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم)) أيها المريدون للصلاة ((مِّن الْغَآئِطِ)) الغائط هو المكان المنخفض من الأرض وسمي المدفوع به لعلاقة الحال والمحل والمراد أن أحدكم لو قضى حاجته ثم أراد الصلاة ((أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء))، أي جامعتم معهنّ فإن الملامسة كناية عن الجماع ((فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء)) مرتبط بالثلاثة المتقدمة المسافر والمُحدِث والملامِس ((فَتَيَمَّمُواْ))، أي اقصدوا ((صَعِيدًا))، أي أرضاً سواء كان عليها تراب أم لا ((طَيِّبًا))، أي طاهراً حلالاً إذ كل واحد من النجس والمغصوب خبيث غير طيب، والتيمّم هو معناه التقصّد ثم غلب في الشريعة على الأعمال المخصوصة حتى إذا قيل "تيمّم" لا يتبادر منه إلا الأعمال المخصوصة ((فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ)) وقد دلّت الشريعة على أن كيفيتها أن يضرب الإنسان بيديه معاً وجه الأرض -ما لم يخرج عن إسم الأرضية لكونه معدناً أو نحوه- ثم يمسح بهما جبهته من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى ثم يمسح بباطن الكف اليسرى ظهر الكف اليمنى من الزند الى رؤوس الأصابع ثم يمسح بباطن الكف اليمنى ظاهر الكف اليسرى من الزند الى رؤوس الأصابع وهناك إحتياط بالضرب ثانياً ومسح اليدين وقد ثبت في الطب الحديث أن الأرض تطهّر الجراثيم في مرتبة نازلة من تطهير الماء فقد كان من حكمة الشارع أن جعلها مطهِّرة في المشي عليها والتعفير بها في النجاسة الخبيثة، والتيمّم بها في النجاسة الحديثة ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا)) يعفوا عن الذي الذي له حرج في إستعمال الماء ويظهر جمال العفو إذا قايس الإنسان أحكامه سبحانه بأحكام الملوك والحكومات والسادة الذين لا يبالون بالناس فهم يريدون أوامرهم مهما كلّف الأمر ((غَفُورًا)) يغفر الذنوب التي يتعرض لها الإنسان في تكاليفه وهذا كالتسلية لمن أفلت منه ذنب لئلا ييأس من مغفرته سبحانه.



ثم يعود الى الذين كفروا وعصوا الرسول وأن قسماً منهم أهل الكتاب يملكون أنفسهم بالضلالة ويحرّفون الكلم ويؤذون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((أَلَمْ تَرَ))، أي ألا تتعجّب يارسول الله وتنظر ((إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ))، أي قسماً منه، وهم اليهود الذين أعطاهم الله التوراة وإنما ذكر "نصيباً" لأنهم لم يُعطَوا الكتاب -أي الأحكام- كاملاً، وإنما أُعطوا قسماً من الأحكام، وبقية الباقية للمسيح والرسول (عليهم الصلاة والسلام) ((يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ)) يبيعون أنفسهم بالضلالة فعوّض أن يصرفوا أعمارهم وطاقاتهم ليشتروا الهداية بالإيمان بالرسول والعمل الصالح يبيعون أنفسهم وطاقاتهم بمقابل الكفر والأعمال السيئة والحال أنهم من أهل الكتاب ويعلمون الحق ((وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ)) أنتم المسلمون ((السَّبِيلَ)) فتنحرفوا عن جادة الهداية الى السُبُل الملتوية المؤدّية الى الهلاك والدمار.


((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ)) منكم فلا تتخذوا هؤلاء أولياء ظنّاً منكم أنهم أحبّاءكم واغتراراً بظاهرهم وزعماً بأنهم ظهركم وسندكم ((وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا))، أي أن ولاية الله لكم تُغنيكم عن ولاية الكفار ((وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا)) فنصرته إياكم تكفي من نصرة الكفار.



ثم ذكر سبحانه بعض صفات هؤلاء الكفار الذين أوتوا نصيباً من الكتاب "ألَم تَرَ الى الذين أوتوانصيباً من الكتاب" ((مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ)) واتخذوا اليهودية ديناً ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ)) جمع كلمة والمراد بها أحكام الله سبحانه ((عَن مَّوَاضِعِهِ)) فيضعون الحلال مكان الحرام والحرام مكان الحلال وهكذا ((وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا)) كلامك واحتجاجك يامحمد و((وَعَصَيْنَا)) أوامرك لأنّا لا نعتقد بك نبيّاً صادقاً وربما يحتمل أن يكون المراد عصيانهم عملاً لا قولاً فإنّ "القول" يُراد به تارة الكلام وتارة العمل يُقال "قال بيده كذا" أي أشار ((وَ)) يقول هؤلاء اليهود للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)) يقصدون الدعاء على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنه لا يسمع كما يُقال "إسمع لا أسمَعَكَ الله" فإنهم كانوا يقصدون بهذا الكلام السب والدعاء عليه ويُظهرون أنهم يريدون معنى آخر وهو إسمع غير مأمور بالسمع فإنه يُقال الكلام للرجل العظيم إحتراماً وإشعاراً بأن أمره بـ "إسمع" ليس أمراً فهو لا يُؤمر بالإستماع لأنه أجلّ من الأمر ((وَ)) يقول هؤلاء اليهود للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((رَاعِنَا)) يقصدون بذلك السب باطناً ويُظهرون أنهم يتأدبون حيث أن ظاهر لفظة "راعنا" طلب المراعات ((لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ)) من لَوى يلوي إذا حرّف وأمالَ، والألسنة جمع لسان، وليّ اللسان قد يكون ظاهرياً بأن يحرّف لسانه وقد يكون باطنياً بأن يقول شيئاً ظاهره أمر وهو لا يريد ظاهره ((وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)) فإن الطعن في رئيس الدين طعن في الدين لوهنه بسبب وهنه رئيسه ((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي إن هؤلاء اليهود ((قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) ما جئتَ به بأن صاروا متدينين بالإسلام ((وَاسْمَعْ)) بدون أن يُضيفوا "غير مُسمَع" ((وَانظُرْنَا)) عوض قولهم "راعِنا" مما فيه إيمان وأدب واستقامة ((لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)) في دنياهم حيث ينعمون براحة المسلمين ورفاههم وتقدّمهم وفي آخرتهم حيث يسعدون بجنات النعيم ((وَأَقْوَمَ))، أي أكثر عدلاً واستقامة ((وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ))، أي بعّدهم عن رحمته ولطفه وفضله ((بِـ)) ((كُفْرِهِمْ)) فإن الإنسان إذا لم لم يقبل الإيمان بعد ما عرفه طرده الله سبحانه عن فضله كما أن الأب إذا رأى ولده لا يقبل نُصحه طرده عن ألطافه ((فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وهذا ليس إستثناءاً من قوله سبحانه "لعنهم الله بكفرهم" بل من أصل الكتاب، وقد ذكرنا سابقاً أن الإستثناء قد يُراعي فيه أصل المطلب من دون نظر الى قيوده كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ) و(ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) ومن المحتمل مراعات القيد في "إلا قليلا" أي إن إيمان هؤلاء ممكن تقبّله حتى بعد لعن الله إذا تيّقظ ضميرهم وأبوا عن الغفلة الى الحق.



((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ))، أي نزل على نبيّهم الكتاب السماوي والتزموا به، وتخصيص الخطاب بهم مع أن الأمر بالإيمان عام لكونهم محل الحوار والبحث ((آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا)) من الفرقان على رسولنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم)) فإن القرآن يصدّق بالكتب السماوية السابقة ((مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا)) طمس الشيء إذهاب أثره ((فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا)) جمع دُبُر وهو الخلف والظاهر من الآية أنه في يوم القيامة إذ تُطمس فيه الوجوه من بعض الناس حتى يتساوى جميع أجزائه فلا نتو فيه، ثم يجعل الوجه الى الخلف كما ورد في بعض الأحاديث وفي بعض الروايات : طَمَسَها عن الهدى وردّها على أدبارها في ضلالتها ((أَوْ نَلْعَنَهُمْ)) عاجلاً قبل يوم القيامة فنجعل منهم القردة والخنازير ((كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ)) وهم اليهود الذين إعتدوا في السبت باصطياد السمك (فقُلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين) وفي بعض الأحاديث أن في آخر الزمان يُبتلى بعض الفُسّاق بالمسخ -والعياذ بالله- ((وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً)) كائناً فلا تظنوا أنه لا يكون ذلك وإنما هذا مجرد تهديد وتوعيد.



ولا يظنّنّ أهل الكتاب أنهم إن بقوا على شركهم حتى ماتوا يشملهم غفران الله سبحانه فيبقوا على كفرهم وشركهم فـ ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) فإن الإنسان إذا مات مشركاً لم يكن له خلاص ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ))، أي دون الشرك من المعاصي ((لِمَن يَشَاء)) ممن يكون أهلاً للغفران فلا يُقاس الشرك بسائر المعاصي والذنوب ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ))، أي يجعل له شريكاً ((فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) فإنه إفتراء على مقام الإلوهية بأن له شريكاً وأيّ إثم أعظم من ذلك.



((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله، وهو إستفهام تعجّبي ((إِلَى)) اليهود ((الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ))، أي يمدحونها ويصفونها بالطهارة والزكاة والنزاهة فقد كانوا يقولون عن أنفسهم أنهم نزيهون وأنهم أبناء الله وأحبائه ((بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء)) فإن الطهارة بيد الله فمن شاء غفر ذنوبه وبرّئه من العيوب ومن شاء لم يغفر ذنبه فبقى في أدران المعصية أنه سبحانه هو الذي يختار أمة ولا يختار أمة ((وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) الفتيل هو ما في شق النوات من خيط ضعيف، والمعنى أنه سبحانه بعدم تطهيرهم لا يظلمهم وإنما ذلك بسبب عدم إيمانهم وعصيانهم.



((انظُرْ)) يارسول الله وليس المراد النظر بالعين بل ملاحظتهم فإن النظر كما يقع للنظر بالعين كذلك يقع على ملاحظة الأشياء بسائر القوى والحواس ((كَيفَ يَفْتَرُونَ))، أي يفتري هؤلاء اليهود ((عَلَى اللّهِ الكَذِبَ)) في قولهم نحن أبناء الله وشعبه المختار وأحبائه ولن تمسّنا النار إلا أياماً معدودة وأنهم المُزَكَّون من عنده وفي تحريفهم أحكامه ((وَكَفَى بِهِ))، أي بكذبهم عليه سبحانه ((إِثْمًا)) معصية ((مُّبِينًا)) واضحاً، وأيّ عصيان أعظم من التجرّي نحو ساحة الله سبحانه.



كانت اليهود تفضّل المشركين على المسلمين وقد قال كعب -وهو أحد رؤساهم- لأبي سفيان : أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد، فنزل قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله، وهو إستفهام تعجّبي ((إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ))، أي أُعطوا ((نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ)) وهم اليهود الذي أنزل الله على نبيّهم الكتاب فبقي بعضه في يدهم ((يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)) هما صنمان لقريش فقد سجد كعب للصنمين إستمالة لقلوب المشركين ((وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ))، أي أبو سفيان وأصحابه ((هَؤُلاء)) المشركون ((أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً))، أي أن سبيل المشركين أحسن من سبيل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه فقد أوجب حقده على الإسلام أن يفضّل الكفار الذين لا يعترفون حتى بموسى (عليه السلام) على المسلمين الذين يشتركون معهم في كثير من الأصول والفروع.


((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ))، أي أبعدهم عن رحمته وطردهم عن الخير ((وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)) ينصره فيدفع اللعنة عنه ويُنجّيه من عقاب يوم القيامة.



إن اليهود الذين حكموا بأن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا لا قيمة ولا وزن لحكمهم هذا فإنهم لا يملكون تفضيلاً حتى يفضّلوا الكفار على المؤمنين ولو فُرض أنهم ملكوا أتفه شيء من الأمور المادية لحرموا الناس جميعاً من أقل الأشياء وأبخسها ((أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)) إستفهام إنكاري، أي هل لهم من شيء من مُلك التفاضل حتى يهبوا من يشاؤون فضلاً؟ كلا إنهم لا يملكون ذلك وإذا فُرض أنهم ملكوا شيئاً ((فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)) النقير هو النقرة الصغيرة التي تكون في ظهر النوات.



ثم إن تفضيل هؤلاء اليهود للمشركين ليس إلا حسداً للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)) الرسول وأصحابه المؤمنين ((عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) حيث إختار الرسول للرسالة وهدى المؤمنين الى الإيمان فلا موقع للحسد فإن الفضل قد يُؤتيه من يشاء وقد منّ سابقاً على إبراهيم (عليه السلام) وآل إبراهيم لا بالنبوّة فحسب بل بالمُلك والنبوّة ((فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ)) وقد ذكرنا سابقاً أنه قد يُقال "آل فلان" ويُراد الأعم منه ومن آله -تغليباً- ((الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) علم الشرائع مما يفيد الدنيا والآخرة فهو أعم من الكتاب ((وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) حيث جعل بأيديهم أزِمّة الحياة وجعلهم ملوكاً وأنبياء.



((فَمِنْهُم))، أي من الناس المعلوم من الكلام كقوله (لأبويه لكل واحد منهما السُدُس)، أو من آل إبراهيم (عليه السلام) ((مَّنْ آمَنَ بِهِ))، أي بإبراهيم (عليه السلام) وصدّق نبوّته، والمراد من "آل إبراهيم" مرجع الضمير أما قومه الذين بُعث إليهم أو عشيرته وأحفاده ((وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ))، أي أعرض عن الإيمان أو عن إبراهيم (عليه السلام) وهؤلاء اليهود كأولئك في أن بعضهم آمن بالرسول وبعضهم صدّ عنه ((وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا))، أي يكفي هؤلاء الصّادّين سعير جهنم، والمراد بالسعير الإشتعال واللهب.



ثم ذكر سبحانه عاقبة كل واحد من المكذّب والمصدّق ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا))، أي بدلائلنا التي أقمناها على رسولنا وما جاء به ((سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا)) من أصلى يُصلي يُقال أصلاه النار إذا ألقاه فيها ((كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ)) واحترقت بالنار ((بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا))، أي جعلنا جلوداً جديدة مكان الجلود المحترقة ((لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ)) ولا ينقطع عنهم والجلود الجديدة هي الجلود القديمة التي صُنعت من جديد إذ الشيء المحترق تتفرق أجزائه في الفضاء فيجمعها سبحانه ويُعطيها الصورة الجلدية من جديد هذا بالإضافة الى أنه لو خُلقت جلود جديدة لم يكن بذلك بأس إذ المتألم هو الروح فلا يُقال بِمَ إستحق الجلد الجديد العذاب؟ ((إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا)) فلا يفوته شيء ولا يمتنع عليه شيء فإن العزّة تلازمه الغلبة والقدرة ((حَكِيمًا)) يصنع كل شيء بحِكمة ويضع الأشياء في مواضعها فليس تعذيب هؤلاء بهذه الكيفية خارجاً عن نطاق قدرته ولا مخالفاً للحكمة والمصلحة.



((وَالَّذِينَ آمَنُواْ)) بالله ورسوله وما جاء به ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ))، أي الأعمال الصالحة ((سَنُدْخِلُهُمْ)) ولعل دخول السين هنا و"سوف" هناك للدلالة على أن الجنة أقرب الى المؤمنين من النار الى الكافرين فإن الكفار حيث أنهم يقضون برزخاً مؤلماً يطول عليهم الأمد بخلاف المؤمنين الذين يقضون برزخاً مريحاً فإن الإنسان إذا كان في راحة زعم أن الوقت إنقضى بسرعة بخلاف من كان في تعب وأذيّة فإنه يطول عليه الوقت ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) البساتين ذات القصور التي تجري من تحت أشجارها أنهار الماء ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)) كما إن الكفار خالدون في النار وكلما نضجت جلودهم بُدّلت بغيرها ((لَّهُمْ فِيهَا))، أي في الجنات ((أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ)) من القاذورات الخَلقية والقاذورات الخُلقية ((وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ)) هو الوقاية من نور الشمس ونحوه ((ظَلِيلاً))، أي ليس فيه حر ولا برد أو هو مبالغة حسن الظل كقولهم ليل الليل.



((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ)) أيها الناس ((أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)) تامة غير ناقصة ولعلّ الإرتباط بين هذه الآية وما سبقها أن أهل الكتاب خالفوا ما أُمروا به وخانوا الأمانة الإلهية كما قال سبحانه (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) بينما إن الله تعالى يأمر بأداء الأمانة المادية فكيف بأعظم الأمانات الروحية، كما إنهم حكموا بالجور حين قالوا إن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا بينما يحكم الله تعالى الحكم العدل ((وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ)) في أمور دينهم أو دنياهم ((أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)) فلا تميلوا الى ناحية دون ناحية لمجرد الهوى أو الرشوة أو العاطفة أو ما أشبه ((إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ))، أي نعم شيئاً يعظكم في أداء الأمانة والحكم بالعدل وضمير "به" راجع الى "ما" ((إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا)) يسمع كلامكم ((بَصِيرًا)) يبصر حركاتكم وأعمالكم فإنكم إذا خنتم الأمانة أو حكمتم بالجور فإنه لا يذهب ذلك على السميع البصير.



وحيث بيّن سبحانه ما يجب على الحاكم من العدل بيّن ما يجب على الأمة تجاه الحاكم العادل من الإطاعة والسمع وبيّن الحاكم الذي يحق له أن يحكم بقوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ)) بالإئتمار بأوامره والإنزجار عن زواجره ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) قد تقدّم سابقاً أن إطاعة الرسول هي إطاعة الله وإنما يذكران معاً تبجيلاً للرسول ولإفادة أن أوامره كأوامر الله سبحانه ((وَ)) أطيعوا ((أُوْلِي الأَمْرِ))، أي أصحاب السلطة الذين بيدهم الأمر ((مِنكُمْ)) وقد عيّن أولوا الأمر في غير واحد من الأحاديث أنهم الأئمة الهداة الإثنى عشر عليهم الصلاة والسلام وهم علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي، أما إطاعة العلماء المراجع فهي طاعة لأولي الأمر، إذ هم نوّابهم، أما مَن زعم أن المراد بأولي الأمر كل حاكم فهذا يستلزم التناقض فكيف يمكن الجمع بين من يبيع الخمر والله سبحانه الذي يحرّمها، وهكذا، ولذا إشترطت الشيعة في النبي والأئمة العصمة وفي العلماء العدالة ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ))، أي حدثت بينكم المنازعة والمخاصمة ((فِي شَيْءٍ)) من أمور دينكم ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) حتى ترون أن القرآن والسُنّة مع أيّ جانب، ومن حسن الحظ أنه ليس شيء يحتاج إليه الأمة في أيّ دور أو مصير يخلو منه الكتاب والسُنّة أما بالخصوص أو بالعموم، ومن المعلوم أن الرد الى أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ردّ الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما إن الردّ الى العلماء النوّاب لهم ردّاً لهم كما قال (عليه السلام) : (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله) ((إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أما الرد الى غيرهما فذلك من مقتضيات الكفر كما قال سبحانه (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ((ذَلِكَ)) الردّ الى الله والرسول في صورة التنازع ((خَيْرٌ)) لأن إرشاداتهما لصلاح دينكم ودنياكم ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))، أي من جهة الأول والعاقبة فإن عاقبة الحق خير من عاقبة الباطل، والعاقبة تُسمى تأويلاً لأنه مآل الأمر ومرجعه ويحتمل أن يكون المراد أنه أحسن من تأويلكم إياه.


ولما بيّن سبحانه وجوب الرجوع في موارد النزاع الى حكم الله والرسول أبدى التعجّب من الذين يدّعون الإيمان ثم يراجعون في قضاياهم الى أحكام مخالفة لأحكام الله والرسول بقوله ((أَلَمْ تَرَ)) يارسول الله ((إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) لتعديد أنفسهم في زمرة المسلمين ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ)) فإنهم يُظهرون الإيمان بكل رُسُل الله وكتبه إتباعاً لقوله "وما أُنزل الى إبراهيم .." وهذا لتأكيد أنهم في سمات المؤمنين بكل مقوماته ((يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ))، أي يرفعوا مشاكلهم وقضاياهم المُتنازَع فيها ((إِلَى الطَّاغُوتِ)) مبالغة في الطغيان وكل حكم غير حكم الله سبحانه فإنه للطاغوت لأن حكم الله هو العدل وما سواه زيغ وانحراف وطغيان فهم ينتحلون الإيمان ويسلكون غير طريق الإيمان يريدون بذلك أن يوّفروا على شهواتهم فيُظهرون الإيمان ليُحقن دمهم وعرضهم ومالهم ويرجعون الى الطاغوت ليُعطي الحكم لهم حينما علموا أن العدل لا يُعطيهم الحكم -إذ هم على الباطل- ((وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ)) كما قال سبحانه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) ((وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ)) بما يُزيّن لهم ((أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)) عن الحق فإن مراجعة الطاغوت ضلال وزيغ.


توقيع $Divo :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

التعديل الأخير تم بواسطة $Divo ; 29-03-2013 الساعة 12:54 AM

رد مع اقتباس