هذا ما صنعه الأمريكان بالعراق

زعموا أن ذئباً يدعى زعبور كان يعيش في غابة وافرة الكلأ ناعمة الظلال، يجاوره فيها أرنب لطيف مسكين يدعى عكرشة. وكان هذا الذئب خبيث الطوية سيئ الخلق، يستذل لمن يعجز عنه ويتجبر على من لا يعجزه, وكان من أمرهما أن زعبوراً كان يرابط للأرنب كل يوم في غدوه ورواحه مستنكراً عليه في كل مرة سيره في الغابة حافياً فيناوله في الغدوة صفعة وفي الروحة لطمة.
ولما اشتدت الحال على الأرنب ولم يطق عليها صبراً أشار عليه بعض خلصائه أن يرفع شكواه إلى ملك الغابة فإنه لا بد منصفه مما يحل به من الحيف. ولما سمع ملك الغابة الشكوى صرف الأرنب ودعا الذئب للمثول بين يديه. تقدم الذئب من الملك خاضعاً راكعاً وبادره بالقول: يا سيد الغابة, ليس مثلك من يعير سمعه لأرباب الوشايات وطلبة النكايات, ولقد تعلم أنني لما كنت حظيت بشرف قرابتكم وتنعمت بأن أكون فرعاً في دوحتكم استعظمت الوشاة ذلك مني وأكبروه علي، فتكالبوا وكل مرادهم أن تضع من منزلتي وتحقر من شأني, وهم بذلك إنما يطرقون عليك لا علي الباب, فإذا أنت اقتصصت مني كان ذلك إيهاناً لركنك وفاتحة للنيل منك.
هز الأسد لبدته وزأر زأرة ارتعدت لها جنبات الغابة بالويل والثبور وعظائم الأمور. ثم إنه بعد أن عاد إلى رشده تفكر وتدبر ساعةً ثم قال للذئب في رفق: اسمع يا بن عم, إنما يؤخذ عليك أنك تنكل بالأرنب دون علة ظاهرة توجب ذلك, ولكنك إن أمرته بأمر فأخطأ في تنفيذه أو أبطأ في إمضائه أيقنت العامة أن في سلوك الأرنب ما يوجب القصاص منه فوجدوا لك العذر في ذلك وأقروك عليه.
وعى الذئب النصيحة وعاد من فوره فرابط في طريق الأرنب, وما هو إلا أن ظهر عكرشة فاستدناه الذئب وطلب إليه: انطلق في الحال فاجلب لي زنة رطل من التفاح فقد قيل لي إنه يصلح المعدة. سأل عكرشة: سمعاً وطاعة يا أبا جعدة, ولكن قل لي أي ضرب من التفاح تشتهي الأحمر أم الأصفر؟ زم زعبور شفتيه ممتعضاً وهز رأسه مصححاً: إنما عنيت أنني أريد دانقاً من الدبس فإني أجد في فمي مرارة تنغص علي سائر مطعمي ومشربي. فسأل الأرنب: جعلت فداك, من دبس العنب أم من دبس التمر؟ فاحمرت أذنا الذئب وصرخ: إنما أردت يا حبيبي أن تأتيني بإردبٍّ من السمن أدهن به مفاصل قدمي المتقرحة. فعاد الأرنب إلى السؤال: سمناً نباتياً أم حيوانياً يا سيدي؟ فاتقدت عينا زعبور غضباً وقد أسقط في يده، وما كان منه إلا أن رفع يده الثقيلة وأهوى بها على صفحة خد الأرنب عاوياً: يا بن اللئيمة ألم أحذرك مراراً من السير في الغابة حافياً؟!