26-07-2011, 02:02 PM
|
#21
|
|
• الانـتـسـاب » Mar 2011
|
• رقـم العـضـويـة » 84371
|
• المشـــاركـات » 423
|
• الـدولـة »
|
• الـهـوايـة »
|
• اسـم الـسـيـرفـر »
|
• الـجـنـس »
|
• نقـاط التقييم » 10
|
|
|
دولة المماليك
من هم المماليك ؟!
المماليك في اللغة العربية هم الذين سُبُوا ولم يُسْبَ آباؤهم ولا أمهاتهم ومع أن لفظ المماليك بهذا التعريف يعتبر عامًّا على معظم الرقيق، إلا أنه اتخذ مدلولًا اصطلاحيًّا خاصًّا في التاريخ الإسلامي، وذلك منذ أيام الخليفة العباسي الشهير "المأمون" والذي حكم من سنة198هـ إلى 218هـ، وأخيه "المعتصم" الذي حكم من سنة218هـ إلى 227هـ.. ففي فترة حكم هذين الخليفتين استجلبا أعدادًا ضخمة من الرقيق عن طريق الشراء، واستخدموهم كفرق عسكرية بهدف الاعتماد عليهم في تدعيم نفوذهما.
وبذلك -ومع مرور الوقت- أصبح المماليك هم الأداة العسكرية الرئيسية -وأحيانًا الوحيدة- في كثير من البلاد الإسلامية.. وعندما قامت الدولة الأيوبية كان أمراؤها يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في تدعيم قوتهم، ويستخدمونهم في حروبهم، لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حدٍّ ما، إلى أن جاء الملك الصالح أيوب، وحدثت فتنة خروج الخوارزمية من جيشه، فاضطُرَّ -رحمه الله- إلى الإكثار من المماليك حتى يقوي جيشه ويعتمد عليهم، وبذلك تزايدت أعداد المماليك، وخاصة في مصر
تاريخ المماليك
كان الملك الصالح يستعين بالجنود الخوارزمية الذين كانوا قد فرُّوا من قبلُ من منطقة خوارزم بعد الاجتياح التتري لها، وكان هؤلاء الجنود الخوارزمية جنودًا مرتزقة بمعنى الكلمة.. بمعنى أنهم يتعاونون مع من يدفع أكثر، ويعرضون خدماتهم العسكرية في مقابل المال، فاستعان بهم الملك الصالح أيوب بالأجرة، ودارت موقعة كبيرة بين جيش الملك الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية، وعُرِفَت هذه الموقعة باسم موقعة غزة، وكانت في سنة642هـ، وكانت هذه الموقعة قد وقعت بالقرب من مدينة غزة الفلسطينية، وانتصر فيها الملك الصالح انتصارًا باهرًا، حرَّر بيت المقدس نهائيًّا، ثم أكمل طريقه في اتجاه الشمال، ودخل دمشق، ووحّد مصر والشام من جديد، بل اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت السيطرة الصليبية، فحرر بالفعل طبرية وعسقلان وغيرهما.
غير أنه حدث تطور خطير جدًّا في جيش الصالح أيوب رحمه الله، حيث انشقت عن جيشه فرقة الخوارزمية المأجورة..! وذلك بعد أن استمالها أحد الأمراء الأيوبيين بالشام مقابل دفع مال أكثر من المال الذي يدفعه لهم الصالح أيوب، ولم تكتفِ هذه الفرقة بالخروج، بل حاربت الصالح أيوب نفسه، ولم يثبت معه في هذه الحرب إلا جيشه الأساسي الذي أتى به من مصر، وعلى رأسه قائده المحنَّك ركن الدين بيبرس.
وخرج الصالح أيوب من هذه الحرب المؤسفة وقد أدرك أنه لا بد أن يعتمد على الجيش الذي يدين له بالولاء لشخصه لا لماله.. فبدأ في الاعتماد على طائفة جديدة من الجنود بدلاً من الخوارزمية، وكانت هذه الطائفة هي: "المماليك"
من أين جاءوا؟
كان المصدر الرئيسي للمماليك إمّا بالأسر في الحروب، أو الشراء من أسواق النخاسة.. ومن أكثر المناطق التي كان يُجلَب منها المماليك بلاد ما وراء النهر (النهر المقصود هو نهر جيحون، وهو الذي يجري شمال تركمانستان وأفغانستان، ويفصل بينهما وبين أوزبكستان وطاجيكستان)، وكانت الأعراق التي تعيش خلف هذا النهر أعراقًا تركيةً في الأغلب؛ لذا كان الأصل التركي هو الغالب على المماليك، وإن كان لا يمتنع أن يكون هناك مماليك من أصول أرمينية، أو مغولية، أو أوربية، وكان هؤلاء الأوربيون يُعرَفون بالصقالبة، وكانوا يُستَقدَمون من شرق أوربا بوجه خاص .
المماليك في مصر
بدأ ظهور المماليك القوي على مسرح العالم الإسلامي في مصر في عصر الملك الصالح نجم الدين أيوب؛ ففي سنة ٦٤٧هـ/ ١٢٤٩م تواترت الأنباء عن قرب قدوم حملة جديدة تحت راية الصليب ضد مصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا بهدف احتلال مصر. وبسرعة عاد الملك الصالح نجم الدين أيوب من الشام إلى مصر لكي ينظم وسائل الدفاع.
وفي العشرين من شهر صفر سنة٦٤٧هـ/ ٤ يونيو ١٢٤٩م نزل الصليبيون قبالة دمياط، وأمامهم لويس التاسع يخوض المياه الضحلة، وهو يرفع سيفه ودرعه فوق رأسه. وانسحب الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ قائد المدافعين عن المدينة بسرعة بعد أن ظن أن سلطانه المريض قد مات، وفي أعقابه فرَّ الجنود، وفي أعقاب الجنود والفرسان فرَّ السكان المذعورون، وهكذا سقطت دمياط دون قتال.
دور مهم للمماليك في معركة المنصورة
وفي ليلة النصف من شعبان سنة647هـ وفي خضم هذه الأحداث توفي السلطان الصالح نجم الدين أيوب في يوم الاثنين ١٤ من شعبان سنة ٦٤٧هـ/ ٢٠ نوفمبر ١٢٤٩م، وأخفت زوجته شجرة الدر نبأ وفاته لكي لا تتأثر معنويات الجيش، وأرسلت في استدعاء ابنه توران شاه من إمارته على حدود العراق.
واشتدت المقاومة المصرية ضد القوات الصليبية، وبعد عدة تطورات كانت القوات الصليبية تتقدم نحو مدينة المنصورة في سرعة، ولكن الأمير بيبرس البندقداري كان قد نظَّم الدفاع عن المدينة بشكل جيد، وانقشع غبار المعركة عن عدد كبير من قتلى الصليبيين بينهم عدد كبير من النبلاء، ولم ينجح في الهرب سوى عدد قليل من الفرسان هربوا على أقدامهم تجاه النيل ليلقوا حتفهم غرقًا في مياهه، أمّا الجيش الصليبي الرئيسي بقيادة لويس التاسع فكان لا يزال في الطريق دون أن يعلم بما جرى على الطليعة الصليبية التي اقتحمت المنصورة في ٤ من ذي القعدة ٦٤٧هـ/ فبراير ١٢٥٠م.
وفي المحرم من سنة٦٤٨هـ/ ١٢٥٠م دارت معركة رهيبة قرب فارسكور قضت على الجيش الصليبي، وتم أسر لويس التاسع نفسه في قرية منية عبد الله شمالي المنصورة، ثم نقل إلى دار ابن لقمان القاضي بالمنصورة؛ حيث بقي سجينًا فترة من الزمان حتى أُفرِجَ عنه لقاء فدية كبيرة، ومقابل الجلاء عن دمياط
وانتهاء حكم الأيوبيين في مصر
بعد عهد الصالح أيوب، تولَّى ابنه توران شاه الذي لم يكن على قدر المسئولية؛ فانشغل باللهو بعد انتصاره على الصليبيين، وأساء معاملة قادة الجيش من المماليك، وكذلك أساء إلى زوجة أبيه شجرة الدر؛ فتآمرت هذه مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وقلاوون الصالحي وأيبك التركماني وهم من المماليك الصالحية البحرية على قتل "توران شاه"، وبالفعل تمت الجريمة في يوم 27 محرم سنة 648هـ، أي بعد سبعين يومًا فقط من قدومه من حصن كيفا واعتلائه عرش مصر..! وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي "يحكم" بل لكي "يُدفن"!
وهكذا بمقتل "توران شاه" انتهى حكم الأيوبيين تمامًا في مصر، وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي
لقد حدث فراغ سياسي كبير بقتل توران شاه، فليس هناك أيوبي في مصر مؤهل لقيادة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن الأيوبيين في الشام مازالوا يطمعون في مصر، وحتمًا سيجهزون أنفسهم للقدوم إليها لضمها إلى الشام.. ولا شك أيضًا أن المماليك كانوا يدركون أن الأيوبيين سيحرصون على الثأر منهم، كما أنهم كانوا يدركون أن قيمتهم في الجيش المصري كبيرة جدًّا، وأن القوة الفعلية في مصر ليست لأيوبي أو لغيره إنما هي لهم، وأنهم قد ظُلِموا بعد موقعة المنصورة وفارسكور، لأنهم كانوا السبب في الانتصار ومع ذلك هُمِّش دورهم .
من هو قطز؟
سيف الدين قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين.. اسمه الأصلي محمود بن ممدود وهو من بيت مسلم ملكي.. وهو ابن أخت جلال الدين الخوارزمي.. ملك الخوارزميين المشهور، والذي قاوم التتار فترة وانتصر عليهم ثم هُزِمَ منهم، وفرَّ إلى الهند، وعند فراره إلى الهند أمسك التتار بأسرته فقتلوا بعضهم واسترَقّوا بعضهم.
وكان محمود بن ممدود أحد أولئك الذين استرقَّهم التتار، وأطلقوا عليه اسمًا مغوليًّا هو قطز، وهي كلمة تعني ال*** الشرس، ويبدو أنه كانت تبدو عليه من صغره علامات القوة والبأس، ثم باعه التتار في أسواق الرقيق في دمشق واشتراه أحد الأيوبيين، وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره حتى وصل في النهاية إلى الملك المعز عز الدين أيبك ليصبح أكبر قواده كما رأينا.
نشأة قطز
وقطز رحمه الله كبقية المماليك نشأ على التربية الدينية، والحمية الإسلامية، وتدرب منذ صغره على فنون الفروسية وأساليب القتال، وأنواع الإدارة، وطرق القيادة.. فنشأ شابًّا فتيًّا أبيًّا محبًّا للدين معظمًا له قويًا جلدًا صبورًا.. فإذا أضفت إلى ذلك كونه ولد في بيت ملكي، وكانت طفولته طفولة الأمراء وهذا أعطاه ثقة كبيرة بنفسه، فإذا أضفت إلى ذلك أن أسرته هلكت تحت أقدام التتار وهذا -بلا شك- جعله يفقه جيدًا مأساة التتار.
وليس من رأى كمن سمع.. كل هذه العوامل صنعت رجلاً ذا طراز خاص جدًا، يستهين بالشدائد، ولا يرهب أعداءه مهما كثرت أعدادهم أو تفوقت قوتهم.
التربية الإسلامية العسكرية، والتربية على الثقة بالله، والثقة بالدين، والثقة بالنفس كانت لها أثر كبير في حياة قطز رحمه الله.
قطز في الحكم
وجد قطز أن السلطان الطفل مشغول باللهو عن أمور الحكم، وأن بعض أمراء المماليك يستغلون ذلك في التدخل في أمور الحكم، وجاء ذلك مع قدوم رسل التتار يهددون مصر بالاجتياح؛ فقام بعزله بعد موافقة العلماء، وأعلن نفسه سلطانًا على مصر.
بدأ قطز حكمه بمواجهة معضلة خطيرة، وهي صد التتار المتوحشين القادمين لغزو مصر بعدما أسقطوا الخلافة الإسلامية، ودمَّروا بغداد، واجتاحوا الشام.
لم يكن قطز يستطيع صدَّ التتار بجيشٍ متشعب الولاءات بين الأمراء الذين يبحثون عن مصالحهم، ولا بشعب لاهٍ عن الجهاد وتبعاته؛ لذا بدأ بتنفيذ خطة محكمة سدَّد الله فيها خطاه؛ إذ بدأ بحشد جهود العلماء المخلصين من أجل بث روح الجهاد في نفوس الشعب، واضطلع سلطان العلماء العز بن عبد السلام بعِظم هذه المهمة، ومعه عدد من العلماء الأجِلاّء الذين تحفظ لهم الأمة مكانتهم.
ولم يكن للشعب أن يتبع خطوات العلماء ما لم يكن الحاكم نفسه يفعل ذلك، وقد كان قطز نِعْم الحاكم الذي يوقر العلماء، ويطيعهم؛ لذا لمّا أراد فرض ضريبة على الشعب لتجهيز الجيش، وأفتى العز بن عبد السلام بعدم الجواز إلا بعد أن يُخرِج الأمراء ما عندهم من أموالهم وأموال نسائهم وجواريهم؛ كان قطز أول مَن نفَّذ تلك الفتوى على نفسه، ثم طبقها على بقية الأمراء بالقوة.
ولكن.. لا بد للجيش من أمراء أكْفاء يقودون الجنود وهم مقتنعون بالهدف والغاية؛ لذا عمل قطز على تجميع الصفوف وتوحيدها، كما أخذ يُحمِّس الأمراء للجهاد في سبيل الله.
الثأر من التتار
تراصَّ الجميع خلف قطز: شعبًا وأمراءً وعلماءً؛ فبدأ التجهيز العسكري للمعركة، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658هـ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا على فجرٍ جديد انبثق من سهل عين جالوت؛ إذ التقى الجيشان: المسلم والتتري، وقاتل قطز رحمه الله قتالاً عجيبًا.
وبعد توكلٍ على الله ، وخطة ذكية من قطز أثبت بها تفوقه على خصمه كتبغا قائد جيش التتار ونائب هولاكو كتب الله النصر للمسلمين، وبدأت الكفة -بفضل الله- تميل من جديد لصالح المسلمين، وارتد الضغط على جيش التتار، وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيًّا على التتار، وكان يومًا على الكافرين عسيرًا.. وقُتِل كتبغا بيدي أحد قادة المسلمين.
ووصل التتار الفارُّون إلى بيسان (حوالي عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الشرقي من عين جالوت)، ووجد التتار أن المسلمين جادّون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد، لتدور موقعة أخرى عند بيسان أجمع المؤرخون على أنها أصعب من الأولى، وقاتل التتار قتالاً رهيبًا، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين، وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون، وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية، ورأى قطز -رحمه الله- كل ذلك.. فانطلق يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة: واإسلاماه واإسلاماه واإسلاماه.
قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرع: "يا الله!! انصر عبدك قطز على التتار..!!".
ما إن انتهى من دعائه وطلبه -رحمه الله- إلا وخارت قوى التتار تمامًا..
وقضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يقهر..
-------------------------------------------------------
يتبــع
|
|
|