عرض مشاركة واحدة
قديم 28-07-2011, 12:14 PM   #5

rrokyman





• الانـتـسـاب » Mar 2011
• رقـم العـضـويـة » 84371
• المشـــاركـات » 423
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
rrokyman صـاعـد

rrokyman غير متواجد حالياً



افتراضي



غروب الأدارسة في المغرب الأقصى


في تخوم السنوات التي تصل شطري القرن الثاني الهجري تفككت وحدةالمغرب العربي ‏(‏ تونس ـ الجزائر ـ مراكش ‏)‏ وبدلا من خضوعه للدول الإسلامية الجامعة سواء دولة الأمويين أو دولة العباسية ‏.‏‏.‏ بدلا من هذا انقسم المغربالإسلامي على نفسه إلى قوى ثلاث تحكمها زعامات ثلاث ‏.‏‏.‏ الرستميون في تيهارت ‏(‏الجزائر ‏)‏ والأغالبة في تونس ، والأدارسة في المغرب الأقصى ‏.‏

وليس من السهل تلمس الأسباب الحقيقية لهذا الانفصال سوى أنه مطية لتحقيق أغراض شخصية ومذهبية ‏.‏
بيد أن كثيرا من المؤرخين لا يفوتهم البحث عن أسباب لكل الظواهر ،حتى ولو كانت الظاهرة مجردة حادث مفتعل يخلف نتائج مضادة ويكون حصاده وبالا علىالأمة التي خضعت له ‏.‏

وليس من شك في أن الحياة ليست سلبا كلها ‏.‏‏.‏ وبالتالي ليست إيجابا كلها ‏.‏‏.‏ فنحن لن نعدم أن نجد في الدولة الحضارية الجماعية سلبيات ‏.‏‏.‏كذلك لن نعدم أن نجد في كل الحركات الانفصالية التي تمثل ـ في رأينا ـ بوادر غروب للحضارة الجامعة ‏.‏‏.‏ لن نعدم أن نجد فيها إيجابيات ، بيد أنه لا السلبيات تصلحللحكم على الدولة الجامعة بالموت وبالانقضاض عليها من داخلها ، ولا الإيجابيات تصلح كمبرر للوجود ‏.‏‏.

‏ إذا قيست هذه الإيجابيات الجزئية بما تخلفه حركات الانشقاق منهدم في روح الحضارة ‏.‏‏.‏ومن صراع يجهد الدولة الجامعة والبلد المنفصل معا ‏.‏
وكان إدريس بن عبد الله بن الحسين هو ‏(‏ قائد حركة الانفصال عندولة العباسيين في المغرب الأقصى ‏)‏

وكان إدريس هذا قد ساهم مع إخوته ومع العلويين في إشعال ثورة الحجازضد العباسيين ، لكن الثورة فشلت ، وأخمدت فهرب إدريس إلى بلاد المغرب ، وهناك استطاع أن يجمع حوله بعض قبائل البربر ، وأن يكون له إمارة مستقلة دامت حوالي قرنين من الزمان ‏.‏‏.‏ وكان ذلك في مطلع القرن الثالث الهجري ‏.‏‏.‏ أي أن حركة إدريس كانت متأخرة عن حركتي الرستميين في الجزائر والأغالبة في تونس ‏.‏

وقد نجح الخليفة العباسي هارون الرشيد في أن يدس على إدريس من يدسله السم في العسل ، وكان الرشيد يضحك ويتندر بقوله ‏"‏ إن لله جنودا من عسل ‏"‏لأنه سمه بواسطة العسل ‏.‏

وقد ترك إدريس زوجته حاملا فولدت بعد موته ذكرا التف البربر حوله وبايعوه باسم إدريس الثاني ‏.‏ وفي عهد إدريس الثاني هذا حاول العباسيون بواسطة ولاء الأغالبة الموجودين في تونس لهم ، حاولوا القضاء على الأدارسة ‏.‏‏.‏ لكنهم فشلوا ‏.‏‏.‏ وركن العباسيون إلى السكوت ‏.‏‏.‏ واستمرت الدولة الإدريسية ـ كما ذكرنا ـ قرنين من الزمان ‏.‏

وكان من أعظم حكام الأدارسة يحيى الرابع بن إدريس الذي حكم ثمانيعشرة سنة ‏(‏ 292 ـ 310 هـ ‏)‏ وازدهر المغرب الأقصى في حكمه أيما ازدهار ‏.‏

كما بلغت مدينة فاس عاصمة الأدارسة ذروة مجدها ، وأصبحت مركزا هامامن مراكز الحضارة الإسلامية في أنحاء المغرب العربي ‏.‏ وأيضا قد ساعد الأدارسة على رسوخ قدم الإسلام في بلد المغرب بين البربر ، وانتشر الإسلام بواسطة البربر فيأفريقيا الغربية ‏.‏

وكانت جامعة القرويين التي قامت بدور بارز في نشر وإنماء الثقافةالإسلامية من أهم آثار الأدارسة في المغرب الإسلامي ، وقد قامت في المغرب بما قامبه الأزهر ـ أو على نحو قريب منه ـ في المشرق العربي ‏.‏

لقد كان الأدارسة أول دولة لها هذا الطابع في التاريخ وفيما نعتقد لم تكن دولتهم شيعية إلا بمقدار حب آل البيت والولاء لهم ‏.‏‏.‏ وهي صفة يشترك فيها السنة والشيعة معا ‏.‏‏.‏ فحب آل البيت من حب الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا قائمين على كتاب الله وسنة رسوله ‏.‏‏.‏ أما إذا خالف أحدهم كتاب الله وسنة رسوله‏.‏‏.‏‏.‏ فإنه يقف من الله موقف أي إنسان ‏"‏ يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لاأغني عنك من الله شيئا ‏"‏ هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام ‏!‏‏!‏ ‏.‏
ولهذا الوضوح في دولة الأدارسة أحبها أهل السنة وانتصرت بهم ، وكانت القبائل البربرية السنية في المغرب حاميتهم وعماد دولتهم ‏.‏

ولهذا السبب عاشت دولة الأدارسة نحوا من قرنين من الزمان وأدت دوراحضاريا لا بأس به في المغرب الإسلامي ‏.‏

بيد أنها كأية حركة انفصالية كانت تفتقد مبرر الوجود والبقاء ‏.‏‏.‏فظلت على الرغم من ‏"‏ قرنيها ‏"‏ مجرد حركة انفصالية ‏.‏ ولم تستطع ـ لا جغرافيا ولا فكريا ـ أن تزيد على حدودها التي ضمها إدريس الأول شيئا ذا بال ‏.‏

وقد وقعت كذلك بين عديد من القوى الراغبة في الابتلاع ‏.‏‏.‏ وقعتبين الأمويين في الأندلس ، الذين كثيرا ما سددوا إليها الطعنات ‏.‏‏.‏ وبين مصرالتي انتقلت إلى الفاطميين منذ سنة 359 هـ ‏.‏‏.‏ فوجهوا إلى الأدارسة طعنات كذلك على الرغم من القرابة المذهبية ‏.‏‏.‏

ولا يمكن إغفال ضربات القبائل البربرية الراغبة في حكم نفسها ، لاسيما قبائل زناتة وهوارة
وقد أدى ذلك كله على غروب شمس الأدارسة عام 375 هـ ‏.‏

فانتهت إحدى الحركات الانفصالية في تاريخنا الإسلامي ‏.‏‏.‏ لأنالسقوط ـ وإن كثرت المقويات والمساعدات ـ هو مصير كل الحركات الانفصالية ‏.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

سقوط صقلية الإسلامية


بعد قرنين من فتح المسلمين لصقلية على يد الفقيه أسد بن الفرات سنة 212 هـ كان كل شيء يؤذن بالأفول ‏.‏‏.‏ كانت الأندلس تعيش حالة ملوك الطوائف الذين تداعوا تداعي البيت المفكك أمام زحف المرابطين بقيادة رجلهم المؤمن رجل العقيدة والدولة يوسف بن تاشفين ‏.‏

وكانت الجزائر وتونس تعانيان من هجمة القبائل العربية الهمجية الزاحفة تدمر كل شيء دون تعقل ‏.‏

وكانت مصر قد ذهبت نضارتها على يد الفاطميين الذين كانوا قد فقدوا نضارتهم كذلك ، بل كانت مصر التي يحكمها الخليفة المستنصر تعاني من مجاعات غريبة لعلها لم تحدث في تاريخها بالمرة لدرجة أن الناس أكلوا بعضهم بعضا وبيعت لحوم الكلاب في الأسواق ‏.‏

كان هذا هو الجو المحيط بصقلية الأغلبية الإسلامية ‏.‏‏.‏ الجو الذي يطلق عليه مؤرخونا عبارة ‏"‏ الحالة الإسلامية في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري‏"‏‏!‏‏!‏‏!‏
لكن كل هذا كان أقل من أن يقتطع غصن صقلية من شجرة الإسلام إلى اليوم ‏.‏‏.‏ لقد كان ثمة سبب آخر أشد وأقوى ‏.‏
كان هناك الهزيمة الداخلية التي هي الباب الوحيد التي تدلف منه كل الهزائم الواردة ‏.‏‏.‏ كان هناك لصوص المناصب وهواة الزعامات والمتمسحون في أمجادهم العائلية ‏.‏
كانت صقلية قد فقدت أمثال فاتحها العظيم أسد بن الفرات القاضيوالفقيه والقائد والشهيد الذي استحق عن جدارة بطولة فتح صقلية ‏.‏

وحل جيل جديد تتنازعه التقاليد الوثنية النورمانية وينظر بإعجاب إلى الجنوب الأوروبي ، وإلى تقاليد العدو الواقف بالباب ‏.‏‏.‏ وعندما حلت الهزيمة الداخلية على هذا النحو ‏.‏‏.‏ كان من السهل أن يدخل روجار بجيوشه ، وأن تتحول صقلية إلى اليوم قلعة صليبية تكيد للإسلام ‏.‏

كان روجار قائد النورمان المستوطنين بالغرب الفرنسي والإيطالي يترقب فرصة الوثوب على الجزائر وتونس ‏.‏‏.‏ فضلا عن صقلية ، وكما هي العادة في تاريخنا لم يستطع روجار أن يدخل إلى صقلية إلا من خلال أهلها ، من خلال الهزيمة الداخلية‏.‏‏.‏ فمبدأ الجهاد قد وقانا شر الأعداء الخارجيين ، أما حين تتفتت العقيدة وتنحل إرادة القتال يبدأ العدو في الولوج ممتطيا أحد الأصنام الباحثين عن الملك تحت أيشعار ‏.‏

وفي معركة من المعارك الداخلية بين لصوص الحكم هزم أحدهم ‏.‏‏.‏ويسمى ابن الثمنة ‏.‏‏.‏ ولم يجد هذا الرجل غضاضة في أن يطلب الوصول إلى الحكم عن طريق الاستعانة بالنورمان المتحينين للفرصة فذهب إليهم يستعين بهم ويطلعهم على خفايا الجزيرة ، ويمدهم بالعون إذا هم حاولوا الاستيلاء عليها ‏.‏

وبدأ من يومها الغزو النورماني لصقلية ‏.‏‏.‏ ولم تكن القوى الإسلامية المفككة المحيطة بصقلية بقادرة قدرة حقيقية على عمل شيء ‏.‏‏.‏ بالرغم من أن تونس قد حاولت تقديم المساعدة ‏.‏

وتساقطت كأوراق الشجر في الخريف مدن الإسلام الزاهرة في هذه الجزيرةالتي قدمت للإسلام والحضارة الإسلامية عديدا من الأبطال في كل المجالات ‏.‏

سقطت ‏"‏ مسنة ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وسقطت ‏"‏ بلرم ‏"‏ العاصمة ‏.‏ ‏"‏ وماذر‏"‏ ‏.‏

وبعد جهاد طويل من أحد شباب الإسلام الذين يظهرون كوهجة الشمس قبلالمغيب ‏"‏ ابن عباد ‏"‏ سقطت سرقوسة ، ثم خرجت ولحقت بها ضريانة فنوطس ، وسجلت سنة 484 هـ 1091 م السقوط الكبير لصقلية في يد عصابات النورمان‏.‏‏.‏

وكما تمثلت الهزيمة الأولى ـ في بداية الهزيمة ـ ‏.‏‏.‏ كما قدمتهاـ في شخص ابن الثمنة ـ كذلك تمثلت الهزيمة هنا في صورتين ‏:‏

في صورة ابن حمود حاكم قصريانة إحدى المدن الصقلية التي سقطت وكانهذا الرجل يزعم النسب إلى العلويين ‏.‏‏.‏ لدرجة جعلت أحد المؤرخين الأوروبيين يصفه‏(‏ بالعلوي الدنيء الرخيص ‏)‏ مسلما بقضية علويته ، ولربما كانت صحيحة ، فكثير مندعاة العلوية كانوا خونة ‏!‏‏!‏
وقد تواطأ الرجل مع روجار لدرجة جلبت عليه سخط المسلمين في الجزيرةكلها‏.‏

ولم ينته أمر هذا الخائن لأمته إلا بالنهاية الطبيعية ، إلا أنه حرصا على مزيد من الجاه لدى روجار أعلن نصرانيته وطلب من روجار أن ينقله إلى إيطاليا ليقضي بقية حياته هادئا آمنا ، وذهب الخائن ، ومع ذهاب الإسلام من أعماقهوأعماق أمثاله من المنهارين ذهبت صقلية ‏.‏‏.‏ والصورة الثانية ‏.‏‏.‏ تقدمها لناصفحات التاريخ في شكل رسالة بعث بها المسمى الخليفة الفاطمي في مصر إلى روجار تحمل تشفيا وتهنئة بالنصر المسيحي ، وبعد أن يوافق خليفة المسلمين العظيم روجار على كلأوصافه للزعماء المسلمين في الجزيرة ، تلك التي وردت في رسالته وكيف أنهم جانبواطريق الخبرات واجترءوا في الطغيان ، واستعملوا الظلم، وتمادوا في الغي ‏.‏

عد ذلك ينهي رسالته بأن من كانت هذه حاله حقيق بأن تكون الرحمة نائية عنه ، خليق بأن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية ‏.‏

وهذا الكلام ‏.‏‏.‏ صحيح ‏.‏ بيد أنه لن يغفر للخليفة المنهار فيمصر المتمسح ـ كذبا ـ في شرف النبوة أن يسقط ركن من أركان دولة الإسلام ـ تابع الحكمه ـ دون أن يحرك ساكنا ‏.‏‏.‏ ثم يخرج علينا بشعارات منمقة لا قيمة لها ‏.‏

ولن يغفر له التاريخ كذلك أنه نفسه كان لعبة هزيلة في قصره بيدالوزراء العظام، وفي ظل أحط مجاعات عرفتها مصر الإسلامية ، وإنه بدوره كان حلقة في سلسلة مصائبنا الكثيرة ‏.‏

وقد زار ابن جبير الرحالة المسلم ـ صقلية ـ بعد سقوطها ـ فوصف أحوال أهلها تحت الحكم النصراني ، بما يجعلها قريبة من أحوال أهل الأندلس ، فقد ضربواعليهم إتاوة يؤدونها في فصلين من العام ، وحالوا بينهم وبين سعة الأرض ، ولا جمعة لهم يؤدونها بسبب الخطبة المحظورة عليهم ، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للعباس، ولهم بها قاض وجامع ‏.‏‏.‏

ثم يختم ابن جبير حديثه عن أحوال المسلمين في صقلية بقوله ‏:‏

‏"‏ وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار ، ولاأمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم ولا في أبنائهم ‏.‏‏.‏ ‏"‏ ‏.‏

وكان هذا جزاء ما قدم زعماؤهم الخونة ، وسادتهم الفاطميون المارقون‏.‏‏.‏

والمهم ‏:‏

سقطت صقلية الإسلامية ‏!‏‏!‏


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


سقوط المرابطين بالمغرب


بدأت دولة المرابطين بالمغرب العربية بداية طيبة قوية ‏.‏‏.‏ كانتهذه الدولة بحق انبثاقة فكرة إسلامية عظيمة الأثر في حياة الدعوة الإسلامية ‏.‏‏.‏هذه الفكرة تقوم على إبراز دور محدد قيادي للمسجد الإسلامي ، فالمسجد ليس مجرد دارلأداء صلوات خمس مبتوتة الصلة بالحياة ، وإنما المسجد الإسلامي دار تنطلق منها قيادة البشرية وتربيتها في كل مرافق الحياة ‏.‏‏.‏ فهو إلى جانب كونه دار عبادة هوكذلك دار علم ، وهو دار قضاء وهو مكتبة ، وهو مجلس شورى ‏.‏‏.

‏ أي أن المسجد في الحقيقة نموذج لكل الوزارات والدواوين التي تقود شؤون الناس وتوجه مصالحهم ، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الأربطة التي أنشأها المرابطون والتي من خلالها تكونت طليعة إسلامية استطاعت أن تنشئ دولة المرابطين التي حمت المغرب الإسلامي والأندلس قرابة قرن من الزمان ‏.‏

ومضت فترة القوة في هذه الدولة عندما مات أكبر شخصية مرابطة هي شخصية يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة ، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة ‏.‏
وبعد يوسف ، ومع الجهود الضخمة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول ‏.‏

وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب ‏.‏‏.‏ كان ذلك لأن علي بن يوسف هذاقد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير ، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس ، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهما مغلوطا للإسلام بلإنه وقع في خطأ كبير ‏.‏‏.‏ حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين فيدولته ، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم ‏.‏


ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا ، وانصراف الفقهاء إلى تكفير الناسوجمع الثروات ، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة ‏.‏

كانت الخمر تباع علنا في الأسواق ، وكان النبيذ يشرب دون حرج ،وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام ، واستولى أكابر المرابطين على إقطاع اتكبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها ، واستولى النساء على الأحوال ‏"‏ وصارت كل امرأة تشتمل على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور ‏"‏ ‏.‏

وكان ثمة مظهر آخر من مظاهر الفساد انتشر على عهد الخلفاء الضعافالمرابطين ‏.‏‏.‏ هذا المظهر هو تحجب الرجال ، حتى إن الرجل لا تبدو منه إلا عينه ،وبروز النساء وظهورهن في الأسواق العامة سافرات ، واختلاطهن بالرجال ‏.‏ لكن مفتاح المصائب الكبرى على المرابطين كانوا هم الفقهاء

لقد ذهبوا إلى تكفير كل من يحاول تأييد القواعد والأصول الشرعية ،لا سيما العقائد بأدلة عقلية ‏.‏ وقد يكونون على خطأ أو على صواب ، فلسنا نعرضلآرائهم أو لآراء غيرهم ، وإنما الذي نقصده أن نظرية التكفير هي دلالة إفلاس وتحجر، وليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر ‏.‏‏.‏ إذ ليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر ‏.‏‏.‏ إذ ليس الكفر مفتاحا يملكه الناس ما لم تظهر أدلتهالمادية التي لا تقبل الشك ‏.‏‏.‏ أما الخلاف على رأي فليس مجال تكفير‏.‏

وقد ذهب هؤلاء الفقهاء في استرسالهم التكفيري هذا إلى تكفير أعظم شخصية إسلامية أنجبها القرن الخامس والسادس الهجري ‏.‏‏.‏ وهي شخصية الإمام ‏"‏ أبيحامد الغزالي ‏"‏ المعروف بحجة الإسلام بل إنهم ذهبوا في غلوائهم أبعد مذهب ، فحرصاعلى امتيازاتهم التي يكتسبونها من جدلياتهم في علوم الفقه التي تمثل الفروع ‏.‏‏.‏أفتوا بإحراق كتب الإمام الغزالي لا سيما كتابه الشهير ‏"‏ إحياء علوم الدين ‏"‏وكانت حجتهم في ذلك اشتمال الكتاب على بعض المسائل الفلسفية الكلامية ‏.‏‏.‏ ممااضطر السلطان علي بن يوسف الخاضع لتأثيرهم إلى إصدار أمره بوجوب إحراق الكتاب ‏"‏إحياء علوم الدين ‏"‏ في جميع أنحاء مملكته تنفيذا لفتوى الفقهاء ، ثم أنذر بالوعيدالشديد ‏.‏‏.‏‏.‏ بل بالقتل واستلاب مال كل من يوجد عنده الكتاب ‏!‏‏!‏ ‏.‏

وكان هذا الحادث أبرز ألوان الجمود والتحجر والخوف على الامتيازاتالشخصية التي أظهرها الفقهاء ‏.‏
وقد بلغ الحنق بالإمام الغزالي مبلغه ، فدعا على علي بن يوسف بنتاشفين المرابطي أن يمزق الله ملكه ‏.‏‏.‏ حين علم بالأمر ‏!‏ ‏.‏

لقد كان منهج الفقه الذين تصدروا شؤون الدولة المرابطية يقوم على الابتعاد عن المصدرين الرئيسيين للتشريع وهما القرآن والسنة ، والتمسك الشديد بآراءالفقهاء ‏.‏‏.‏ حتى ولو لم يعرفوا لها سندا من الكتاب والسنة ‏.‏‏.‏ وقد بلغ الأمربهم في هذا الأمر مبلغه ، حتى أن أحد الناس قال لرجل وهما في الطريق ‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا ‏.‏‏.‏ فرد عليه الآخر ‏.‏‏.‏ لكني أعتقد أنالإمام مالكا يقول كذا ‏(‏ ‏!‏‏!‏ ‏)‏ وهكذا ذهبت آراء الفقهاء في نظرهم مذهب التقديس والغلو المبالغ فيه ‏.‏

وقد أمات الفقهاء واجب ‏"‏ الحسبة ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة ، وكانب إمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها ‏.‏‏.‏ لكنهم جاروا العامة فيغرائزها وبحثوا عن أنفسهم ، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهمب التكفير والمروق ‏.‏

بقي أن نقول ‏:‏ إن الفقيه أبا القاسم بن حمدين زعيم الفقهاء في هذهالفوضى ‏.‏‏.‏ وأكبر المكفرين للإمام الغزالي ، بل المكفر لكل من قرأ كتاب الإحياء كان يمثل نموذجا لكثير من الدجالين المتاجرين بالإسلام ، والإسلام منهم براء ‏.‏

ومع ألسنة النار المندلعة من نسخ كتاب الإحياء التي أحرقت في مشهدعلي بجامع قرطبة ، كانت ألسنة نيران حركة التاريخ التي تقودها سنة الله التي لاتتخلف ، تأكل دولة المرابطين التي تركت أمرها لمجموعة من ضيقي الأفق ومرتزقة الكلمة، هؤلاء الذين لا يفهمون أصول الإسلام ولا روح الإسلام ‏.‏‏.‏ ولا أصول الحكم في الإسلام ‏.‏‏.‏ ولا روح الحكومة الإسلامية الحقيقية ‏.‏‏.‏‏.‏


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سقوط دولة صنهاجة فيتونس


عندما رحل الفاطميون إلى مصر سنة 360 هـ ، بعد أن أسسوا دولتهم بالمغرب العربي وعاشوا فيها أكثر من نصف قرن ، خلفوا وراءهم قبيلة بربرية كبرى تدعى صنهاجة كي تحكم المغرب العربي ‏(‏ تونس والجزائر ‏)‏ نيابة عنهم وباسمهم‏.

لقد كان انتقال الفاطميين إلى مصر وتسليمهم الأمور لهذه القبيلة البربرية الكبرى حدا فاصلا في أحداث المغرب العربي ، إذ كان إعلانا ببداية عهد يحكم فيه البربر أنفسهم ويستقلون بحكم بلادهم ، في ظل اعتراف بسلطة الدولة الفاطمية وهواعتراف من النوع الذي يمكن نقضه ، لأنه لا تساعده قوى متمركزة عسكرية، ولا ولاء جماهيري عقائدي ، وبالتالي فقد اعتبر هذا الحدث بداية عهد ‏"‏ حكم البربر للبربر‏"‏ ‏!‏‏!‏ ‏.‏

,قد نشأت بعد رحيل الفاطميين أول دولة بربرية كبرى في الجزائر وتونس هي ‏"‏ دولة الصنهاجيين ‏"‏ التي عرفت باسم ‏"‏ دولة بني زيري ‏"‏ نسبة إلى أولحكامها ‏"‏ بلكين بن زيري الصنهاجي ‏"‏ ، وقد نجح بلكين هذا في أن يقضي على الفتن الداخلية وعلى الثورات القبائلية المجاورة على حدود البلاد ، وحقق استقرارا كبيرا بالبلاد إلى أن مات سنة 373 هـ ‏(‏ 984م ‏)‏ فخلفه ابنه المنصور بن بلكين ، وكان من أعدل بني زيري ، فاستعمل السياسة والعنف معا ، ونجح في تصفية خصومه باللين والحكمة والترهيب كذلك ‏.‏
وقد لمس الفاطميون النية لدى حكام بني زيري في الاستقلال ، فحاولواوضع العراقيل في وجه المنصور ، إلا أن سياسته قد امتصت محاولاتهم ‏.‏

وعندما مات سنة 387 هـ خلفه ابنه باديس بن المنصور فسار على سياسة أبيه ، ونجح في تحقيق الاستقرار للدولة ‏.‏ حتى مات سنة 406 هجرية ‏(‏ 1015م ‏)‏‏.‏

لقد تولى الأمر بعد باديس أعظم ملوك بني زيري على الإطلاق ‏"‏ المعزبن باديس ‏"‏ ولقد واجه المعز بن باديس وضعين جديدين كان لهما تأثير كبير في مستقبل الدولة ‏:‏ أما الوضع الأول ‏.‏‏.‏‏.‏ فهو قيام حركة انشقاق في الدولة قادها أحد أعمام أبيه ويدعى ‏"‏ حمادا ‏"‏ وكانت قد بدأت منذ عهد أبيه واستنفذت من طاقة أبيها لكثير‏!‏‏!‏ وأما الوضع الثاني فهو ميول المعز نفسه ، إذا كان المعز قد تربى على يد رجال من رجالات السنة المالكية ، ونشأ محبا للمالكية والسنة ‏.‏ وقد حاول منذولي تغيير مذهب الدولة ، ففي سنة 407 تغاضي ، بل أوعز بطريقة غير مباشرة، بقتل عدد كبير من مخالفي السنة والجماعة في مذبحة كبيرة ‏.‏

لقد كان ابن باديس واقعيا مع ظروفه وظروف دولته ، وبالتالي فقد قبل انشقاق جزء من دولته في ظل سيادته ، هذا في الجانب الأول ‏.‏


وفي الجانب الثاني كان واقعيا مع ظروفه كذلك ، فتمهل في الأمور ،ولم يقم بتغيير المذهب الشيعي ، حيث كانت دولة الفاطميين في القاهرة قوية تستطيع تأليب القوى عليه من داخل بلاده وخارجها ‏.‏

ولقد عاش المعز يحكم دولته في هدوء ، قريبا من خمس وثلاثين سنة ، أيإلى سنة 441 هـ ‏.‏‏.‏ وفي السنة الأخيرة التي كان حاكم الدولة الفاطمية فيها هوالمستنصر ، أعلن انفصاله عن دولة الفاطميين ، إذ كان المستنصر يعاني من تدهور كبيرفي الأوضاع ، وكان المعز يعيش فترة تألق شديد ‏.‏

لكن الفاطميين في مصر لم يستسلموا للضربة التي سددها إليهم المعز ،وهم في الوقت نفسه ، كانوا عاجزين عن توجيه ضربة مقابلة له ، خضوعا لظروفهم التي كانت تجنح إلى التدني والسقوط والأزمات الاقتصادية الشديدة ‏.‏

ولم يعدم المستنصر الفاطمي ـ أطول خلفاء الإسلام بقاء في الحكم وسيلة يضرب بها المعز ‏.‏
وكانت الوسيلة التي رآها هي إطلاق القبائل العربية ‏"‏ الهلالية ‏"‏كي تزحف على المغرب العربي ، وقد استدعى رؤساءهم وأقنعهم بمحاولة امتلاك المغرب وأرسل إلى المعز خطابا بذلك ‏.‏

وكانت هذه القبائل حجازية استوطنت مصر ، وتعيش بطريقة شبه فوضوية ،وقد تقدمت نحو المغرب في أعداد كبيرة يبالغ بعض المؤرخين فيزعمون أنها تتجاوزالمليون ‏.‏

لقد أتيح للمعز بن باديس فرصة ترويض هذه القبائل ولكنه لم يوفق إلى هذا النهج وكانت هذه أكبر أخطائه ‏.‏ وبالتالي فقد تقدمت هذه القبائل تهلك الحرث والنسل وتخرب المدن والقرى ، حتى قضت على حضارة القيروان العظيمة ‏.‏

كما أن المعز لم يوفق في إعلان مواجهة حضارية في مقابل غزوة حضارية ولقد كانت وشيجة الإسلام كفيلة بترويض هذه القبائل وباستغلالها ، وبالتالي بإحباط الهدف الذي سعى إليه المستنصر ، في إيثار الجماعة والسنة ‏.‏

وعندما يفشل المغزوون حضاريا في إحداث غزو حضاري مضاد ـ لا سيما وأن هذه القبائل كانت تجنح إلى ما جنح إليه المغرب العربي ـ يفقدون عنصر القدرة على البقاء ‏.‏

إن الغزو الحضاري لا يقاوم بمجرد المقاومة ، بل لا بد من امتصاصه بغزو حضاري مضاد ‏.‏
وهذه القاعدة قد غابت عن ذهن بني زيري في تونس ، فتهاووا وتهاوت حضارتهم، وللأسف الشديد فإن هذه القاعدة لا تزال غائبة عن ذهن كثير من المخدوعين والمهزومين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ


سقوط بني حماد في الجزائر


لا يلد الانفصال إلا انفصالا ، والسير ضد سنة الله محاولة انتحارية
ومن سمات حركة التطور البشري أن الروح العامة تؤدي دورا مهما في عملية السيرالتاريخي ‏.‏
فإذا كانت الروح العامة متجهة إلى الخير تسابق الناس إلى الخير ،وهكذا تقدمت حركات الإصلاح ، وهكذا استقطبت أجيالا في أيامها ، والأمر نفسه ينطبق على الشر ، ولم تمت الأمم إلا بالروح الشريرة العامة التي جعلت التحلل ‏"‏ مودة ‏"‏والتفسخ الخلقي ‏"‏ فضيلة ‏"‏ ، والسقوط تقدمية ‏.‏‏.‏ وهكذا تحللت الأمة الإسلامية

في فترات تداعيها ‏.‏‏.‏ فمن انفصال إلى خلافات كبرى ثلاث ‏(‏ عباسية ببغداد ،أموية بالأندلس ، فاطمية في مصر ‏)‏ وإلى انفصال آخر في الأندلس بين ملوك الطوائف،وفي المشرق بين الشام ومصر واليمن ، وهكذا ، وفي المغرب العربي بين بني زيري فيتونس وزناتة ثم المرابطين في المغرب الأقصى ، وبني حماد في الجزائر ‏.‏

ولقد كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري ‏"‏ الحادي عشرالميلادي ‏"‏ مسرحا لمعارك طويلة دارت بين بني زيري الذين يحكمون تونس ، وبني حمادالذين أحبوا تكوين إمارة مستقلة بهم في الجزائر ، بعد أن كان بنو زيري يحكمون تونس والجزائر معا ‏.‏

وعبر حروب طويلة خاضها حماد مؤسس الدولة مع بني زيري في ناحية‏.‏‏.‏ ومع زناتة في المغرب الأقصى من ناحية أخرى ، عبر هذه الحروب استطاع حماد بمساعدة ظروف كثيرة منها عنصر المصادفة ‏.‏‏.‏‏.‏ أن يستقل بجزء كبير من أرض الجزائر الإسلامية وكان ذلك سنة 408 هـ ‏(‏ 1016م ‏)‏ حين نجح في عقد صلح مع المعزبن باديس حاكم تونس - ‏(‏ 405 ـ 454م ‏)‏ وأصبح الرجل الأول في الجزائر ‏.‏

ولقد عاشت هذه الدولة قريبا من مائة وأربعين سنة وتعاور الحكم فيها تسعة من الملوك كان من أشهرهم حماد نفسه ‏(‏ 408 ـ 419 هـ ‏)‏ والقائد بن حماد‏(‏408ـ 466 هـ ‏)‏ والناصر بن علناس ‏(‏ 454 ـ 481 هـ ‏)‏ والمنصور بن الناصر ‏(‏ 481 ـ 498 هـ ‏)‏ ‏.‏

إلى أن وصل الحكم ليحيى بن العزيز الذي حكم ما بين ‏(‏ 515 ـ 547 هـ‏)‏ فكان سلوكه ومجموعة ظروف أخرى من أسباب سقوط الدولة على يد الموحدين سنة 547 هـ 1152م ‏.‏
لقد كانت دولة بني حماد انفصالا من انفصال ‏.‏‏.‏ وسارت في طريقها فكان طريقها على امتداده زاخرا بالمشاكل ، وعلى امتداد هذا التاريخ كانت الحروب شبه دائمة بين الحماديين وقبيلة زناتة وبني زيري ‏.‏

مضافا إلى ذلك أن هذه الدولة لم تكن لها أهداف محددة ، اللهم إلاهدف البقاء والسيطرة ‏.‏
وكان كثير من ملوكها يمتازون بالقسوة الشديدة ، بل إن مؤسسها حمادا نفسه استعمل أسلوب الدم كي يبني دعائم دولته ‏.‏
ولقد دمر مدنا وقرى أمنت لعهده ووثقت في كلماته ، وكان مكروها من جنوده ، وقد تتابع هذا النهج في كثير من أحفاده كبلقين بن محمد ، وباديس ، وبعض أيام يحيى آخر الأمراء ‏.‏
لقد كان يحيى بن عبد العزيز ‏(‏ آخر الأمراء الحماديين ‏)‏ عابثا لاهيا ، وربما كان لهوه ومجونه هذا هو السبب المباشر لسقوط الدولة ‏.‏

وأيضا من المحتمل أن بروز قوة كبرى في المغرب وهي قوة دولة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت ثم خليفته ‏"‏ عبد المؤمن بن علي ‏"‏ يحتمل أن يكون هذا كذلك هو السبب المباشر في السقوط ‏.‏‏.‏ لكن مع ذلك يبقى أن كل هذا لم يكن إلا المرحلة الأخيرة في السقوط وهي تلك المرحلة التي تركبها عجلات التاريخ لتقفز بها قفزتها الأخيرة ‏.‏‏.‏ أما الأسباب الحقيقية لسقوط الدولة فتتلخص في سياسة الدولة الخارجية التي كانت أكبر عار في تاريخها وأكبر لطمة في وجهتها إلى نفسها ‏.‏
فلقد انتهجت هذه الدولة نهجا سياسيا ذاتيا يعتمد على البحث عن النفسحتى ولو سقط العالم الإسلامي كله ‏.‏
وسقطت تكريت ، وسقطت رودس ، وسقطت صقلية وعاصمتها العظيمة ‏"‏ بلرم‏"‏، وسقطت المهدية عاصمة أبناء عمومتهم في تونس ‏.‏
سقط كل هذا فلم تتحرك عواطف زعماء هذه الدولة ، بل إنهم كانوا يعقدون معاهدات صداقة مع المسيحيين ‏.‏
ولقد أثبت لهم الصليبيون صدق منطق القرآن فهاجموهم بالرغم من معاهداتهم معهم سنة 524 هـ وهاجموهم في المهدية سنة 529 هـ ‏.‏
وسقطت دولة الحماديين ، لأن كلمة التاريخ التي هي جزء من سنة الله تقول
وسقطت دولة الحماديين سنة 547 هـ على يد قوة إسلامية جديدة ‏.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الموحدون ‏.‏‏.‏‏.‏‏ يسقطون


إنك تستطيع أن تنتصر في معركة ، وأن تقهر عدوك وأن تحكم بالموت على مدينة بريئة ، وقد يكون ذلك انتصارا لك ويمد التاريخ في عمرك عدة سنوات ‏!‏‏!‏‏.‏
لكن ‏.‏‏.‏ أن تصنع حضارة وأن تبني دولة تبقى ‏.‏‏.‏ أن تمد التاريخ بصناع مبدعين ‏.‏‏.‏ أن تفعل ذلك وأكثر منه ، فهناك طريق آخر ‏.‏‏.‏ طريق ليس ‏"‏الدم ‏"‏ من معالمه، بل هو أبرز صخوره وعوائقه ‏.‏

هذه حقيقة من حقائق الحضارة أكثر منها حقيقة من حقائق التاريخ‏!‏‏!‏ ‏.‏
لكن هذه الحقيقة غابت عن بناة دولة الموحدين التي قامت في المغرب والأندلس قرابة قرن ونصف القرن ‏(‏ 524 ـ 668 هـ ‏)‏ ‏.‏

ومنذ تأسيس هذه الدولة سواء فكريا ‏"‏ أيديلوجيا ‏"‏ على يد زعيمها الروحي ‏"‏ محمد بن تومرت ‏"‏ أو زعيمها السياسي والعسكري ‏"‏ عبد المؤمن بن علي‏"‏ وأسلوب الدم هو أبرز الأساليب التي اعتمدت عليها هذه الدولة في إرساء دعائمها‏.‏

لقد كانت دولة المرابطين هي أبرز الدول التي قامت على أنقاضها هذهالدولة الموحدية ‏.
‏ وقد استعمل الموحدون أقسى الوسائل الدموية في تصفية دولة المرابطين التي لم تكن أكثر من دولة مسلمة ، مهما قيل عن حكامها الأخيرين ، وقد أخذوا الناس بجرائر الحكام وقتلوا مع المحاربين والنساء والشيوخ ، وحكموا على مدنب أكملها بالموت ‏.‏‏.‏ هكذا فعلوا في ‏"‏ وهران ‏"‏ فقد قتل الموحدون فيها كل منوجدوهم مع المرابطين ، وعندما التجأت جماعات مرابطية على حصن من الحصون قطع الموحدون عنهم الماء فلجأ المرابطون إلى التسليم بعد ثلاثة أيام ، ومع أنهما ستسلموا فقد قتلهم الموحدون كبارا وصغارا ، وكان ذلك يوم عيد الفطر من سنة 539 هـ‏!‏‏!‏ ‏.‏

والشيء نفسه أو قريب منه قام به الموحدون عند استيلائهم على مدينة‏"‏ مراكش‏"‏، فعندما سقطت المدينة بعد مقاومة رائعة ودفاع مستميت قتل الموحدون من أبناء المدينة من الجنود والمدنيين على حد سواء نيفا وسبعين ألف رجل ، ولم يكتفوابهذا العدد من الرجال ، بل إنهم استباحوا المدينة ثلاثة أيام فاستحر برجالها القتل الذريع هذه الأيام الثلاثة الكئيبة ، لم ينج من أهلها إلا من استطاع الاختفاء فيسرب أو غيره ، وقد قيل إنه عند الانتهاء الأيام الثلاثة وإعلان العفو عن الباقين منالأحياء من أهلها لم يظهر حيا إلا سبعون رجلا ‏!‏‏!‏ وباعهم الموحدون بين أسارى المشركين ‏.‏

وهكذا كانت البداية الثورية العنيفة الخاطئة لدولة الموحدين التي نجحت في إنقاذ الأندلس في موقعة ‏"‏ الأرك ‏"‏ سنة 591 هجرية من التداعي وقامت على نحو ناجح بتوحيد المغرب العربي والأندلس ‏.‏‏.‏ ومع ذلك بقيت لعنة ‏"‏ الدم ‏"‏وراءها لقد بقي قانون الله يطالب بالقصاص العادل ، قوانين الله أكبر من أن يحيط بهاهذا الإنسان المحدود التصور والرؤية ، لقد قضى الله بعقوبة هذه الدولة من داخلها ،لقد تحول أسلوب ‏"‏ الدم ‏"‏ إلى وسيلة داخلية قتل بها الموحدون بعضهم بعضا ‏.‏‏.‏وخضعوا ـ بذلك ـ لقانون الله الذي لا يتخلف ‏.‏

ولم يمر على انتصار الموحدين الخالد في موقعة الأرك أكثر من ثمانية عشر عاما حتى انتكس الموحدون نكستهم التي كانت من أسباب تحطيم الوجود الإسلامي فيالأندلس كلها ، وكان ذلك سنة 609 هجرية حين هزموا شر هزيمة في ‏"‏ العقاب ‏"‏ التيأبيدت فيها جيوش الموحدين، وسحق نفوذهم في الأندلس من جرائها ، ومنذ هذا الوقت وصرح الموحدين يتداعى تحت ضربات ‏"‏ الدم ‏"‏ وعلى امتداد خمسين سنة ‏(‏ 609 ـ 668 هـ‏)‏ والموحدون يقضون على أنفسهم بأيديهم في معارك أهلية داخلية ‏.‏‏.‏ فالمأمون ‏"‏الخليفة ‏"‏ الموحدي العاشر ـ والرشيد ‏"‏ الحادي عشر ‏"‏ ويحيى المعتصم ‏"‏ التاسع‏"‏ ويوسف المنتصر ‏"‏ الخامس ‏"‏ وغيرهم قد استنفدت قواهم في قتال داخلي أباد كثيرا من عناصر الموحدين بل إن جهاز الدولة ، والعناصر الثائرة فيها قد تولت هي قتل الخلفاء في الآونة الأخيرة ‏.‏‏.‏ فتم قتل الخليفة الموحدي ‏"‏ أبي محمد ، عبدالواحد الرشيد ‏"‏ والخليفة العادل ‏"‏ ، بل إن الخليفة المأمون قتل أشياخ الموحدينالذين خالفوه ، وكانوا أكثر من مائة ، فقضى بهذا الأسلوب الدموي على خلاصة الزعامة الموحدية ‏.‏


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ


وطوى اليهود ‏.‏‏.‏ آخر صفحاتنا المشرقة ‏!‏


كان رفض السلطان العظيم ‏"‏ عبد الحميد ‏"‏ تهويد فلسطين لطمة لم ينس اليهود أن يردوها للخلافة ردا سخيا لم يكن بوسع السلطان عبدالحميد أن يتخيله‏!
فإلى جانب ما ذكرناه من تحريك للقوى المناوئة للدولة ، ومن غرس لبذور الفكرة العنصرية المحاربة للراية الإسلامية الموحدة لربع البشر ‏!‏‏!‏
إلى جانب هذا ‏.‏‏.‏ هجم اليهود من الداخل على الدولة العثمانية بواسطة الأسلحة نفسها التي استعملوها في كل بلدان العالم الإسلامي، وهي أسلحة العنصرية والتحضرية، والحرية ، والإخاء ، والمساواة ‏.‏‏.‏ وهلم جرا من الشعارات التي اصطنعها الماسون ، وروجوا لها ، واستعملوا بعض المخدوعين لإذاعتها وتفتيت راية
الأمة وقبلتها وأهدافها ‏!‏‏!‏


وكانت جماعة تركيا الفتاة ثم الاتحاد والترقي هما الأداتين اللتين سخرهما اليهود وطوعوهما لهذا الغرض ‏.‏ وكانت الكاتبة ‏"‏ خالدة أديب ‏"‏ إحدى المروجات على المستوى الأدبي والفكري لفكرة القومية الطورانية ، بينما كان زعماء تركيا الفتاة هم المنفذون على المستويات الأخرى لعملية إحداث الانقلاب نحو تخلي تركيا عن هويتها ورسالتها الإسلامية ‏.‏‏.

وقد أقحم هؤلاء تركيا في الحرب العالمية الأولى دون مبرر معقول أوسبب يتعلق بها ‏.‏ فلما هزم الألمان ، أذعنت تركيا للهزيمة بنفسها ، وسجل رسميا سقوط الكرامة العثمانية الإسلامية بهدنة رودس في 1918م ‏.‏

وقد غادر زعماء تركيا الفتاة البلاد ، فقصد أحدهم ‏"‏ أنور باشا ‏"‏روسيا ، وقصد ‏"‏ طلعت باشا ‏"‏ ألمانيا ، ولقد شاء الله أن يقتص منهم قصاصا دنيويا عاجلا ، فلم يلبث ‏"‏ أنور باشا ‏"‏ أن قتل اغتيالا في تركستان ، وأن يصرع طلعت في برلين ، ويغتال جمال في تفليس ‏"‏ أما الكاتبة خالدة أديب ‏.‏‏.‏ التي طال بهاالعمر فترة ‏.‏‏.‏ فلم تلبث أن طردت شر طردة ، من تركيا بعد خلاف حاد بينها وبين الزعيم اليهودي الكبير مصطفى كمال أتاتورك ‏!‏‏!‏

ولم تكد الحرب العالمية الأولى توشك على الانتهاء حتى كانت الدول الأوروبية قد أتمت المسرحية الهزلية ‏.‏‏.‏ لاقتسام أملاك الخلافة الإسلامية الأخيرة ، ولإبراز رجل ينفذ مخططاتهم وأطماعهم بحذافيرها ‏.‏‏.‏ وعلى الرغم من أنا لكتابات الاستشراقية والكتابات الصليبية واليهودية والشيوعية تجمع على إخفاء هذه الحقيقة ، فإن الأحداث بطبيعة تطورها تثبت هذه الحقيقة ، ويكاد يصرح بهذه الحقيقة المستشرق ‏"‏ كارل بروكلمان ‏"‏ على الرغم من ذكائه الحاد في تطويع الحقائق ،وبترها وإضفاء جو إنشائي حماسي عليها ، نعم ، يكاد يصرح بهذا في كتابه الشهير ‏"‏تاريخ الشعوب الإسلامية ـ الدولة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى ‏"‏ وهو يقول‏:‏ ‏"‏ عند ذلك ‏.‏‏.‏

هيأت الدول الحليفة لتركيا ـ لاحظ الحليفة ـ الفرصة السانحة للرجل الذي قدر له أن ينشئ تركية الحديثة ـ يقصد اليهودي الدونمي أتاتورك ـ ‏"‏ولنا أن نتساءل ‏:‏ أي دول حليفة لتركيا تلك التي حولتها من زعيمة روحية ـ على الأقل ـ لربع البشرية إلى دولة هزيلة تعيش بلا ماض وبلا حاضر وبلا مستقبل ‏؟‏ وأيدول هذه التي ساعدت هذا اليهودي على إلغاء الحروف العربية ، وإزالة الأوقاف

،وإغلاق المساجد ، وقصر علماء الدين على ثلاثمائة واعظ في طول البلاد وعرضها ،وتحويل مسجد ‏"‏ أياصوفيا ‏"‏ الشهير إلى متحف ، ومسجد محمد الفاتح إلى مستودع ،وإلغاء الشريعة الإسلامية ، واستبدال القبعة بلباس الرأس الوطني السابق ‏"‏ الطربوش‏"‏ وفرض اللباس الأوربي بالقوة ،وحذف اللغة العربية واللغة الفارسية من مناهج التعليم بالمرة ، وبيع الكتب والمخطوطات العربية بأبخس الأثمان ، فضلا عن التعليم العلماني الأوروبي ، ليس في المجال التقني كما يجب أن يكون ، بل ـ فقط ـ في المجال الإنساني والأدبي والديني ‏!‏ ‏.

إن إلغاء الخلافة الإسلامية وإعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبرسنة 1923م ، وانتخاب مصطفى كمال أتاتورك من قبل جمعية لقبت نفسها ‏"‏ بالجمعية الوطنية ‏"‏ ، إن هذا كله لم يكن يعني سقوط تركيا الإسلامية في الحقيقة ، فكم من شعارات براقة زائفة ترفع ثم لا تلبث أن تزول ‏.‏ لكن تمكن الأتاتوركي ‏"‏ الغازي‏"‏ من السيطرة على البلاد ، بمساعد ‏(‏ الدول الحليفة لتركيا ‏)‏ كما يقول بروكلمان وأمثاله ، ثم الاجراءات الخطيرة التي ذكرناها والتي اتخذها أتاتورك بعدذلك ‏.‏

هذه في الحقيقة كانت الإلغاء الحقيقي لتركيا الإسلامية وللخلافة العثمانية ‏.‏
ولم يكن الخليفة العثماني محمد السادس الذي عاصر هذا الانقلاب ، كمالم يكن الخليفة الذي وضعه الانقلابيون مكانه عبد المجيد بن عبد العزيز ‏"‏ لم يكن هذا وذاك أكثر من تحفتين تاريخيتين ‏.‏‏.‏ تحملان معالم صورة هزيلة مهتزة ، لحقيقة كانت ـ يوما ما ـ عظيمة قوية ترعب أوربا كلها ‏.‏

ومع ذلك فلقد أدرك مصطفى كمال الدونمي اليهودي أن البقاء الرمزي الصوري لهذه الحقيقة القوية العظيمة يشكل في حد ذاته خطرا على مخططاته الصهيونية‏.‏‏.‏ ولذا فلم يكد يملك السلطة في يده ويتربع بتؤدة على عرش السيطرة لمدة خمسة أشهر ، حتى أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية ، ثم طرد آخر خليفة للمسلمين من البلاد في اليوم الثالث من مارس سنة 1924م ‏.‏


( أنتهى )





رد مع اقتباس