[/COLOR]
من قاطع حصد
"ومنذ أن قامت هذه المقاطعة بدأت المطالبة بالحقوق المدنية تتصاعد؛ فأسس الزنوج مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية "إس سي إل سي" (ٍٍSCLC) عام 1957، وانتخبوا مارتن رئيسا لها، وعملت على تنظيم الاعتصامات والمظاهرات الجماعية وبرامج مكافحة الفقر.
ففي عام 1962 نظمت مسيرات الاحتجاج ببرمنجهام التي ألقي فيها القبض على مارتن للمرة الثانية بتهمة إثارة أعمال الشغب والإرهاب، وفى سجنه الانفرادي حرر خطابا أصبح فيما بعد من المراجع الهامة لحركة الحقوق المدنية؛ فكان مما كتب "علينا أن ندرك ضرورة خلق منغصات في إطار من عدم العنف لإيجاد ذلك النوع من التوتر في المجتمع؛ مما يساعد الناس على أن يرتفعوا من الأعماق المظلمة للتحيز والتفكير العنصري، ويحلقوا في الآفاق العليا للتفاهم والإخاء".
كما وجه كلماته إلى مجتمع البيض "لقد أشرتم إلى نشاطنا في برمنجهام، ووصفتموه بالتطرف، ولكن ما مضيت أتدبر الأمر حتى أخذت أشعر تدريجيا بشيء من الارتياح لما أوصف به من التطرف والإرهاب، أولم يكن المسيح متطرفا في المحبة؟ وألم يكن أبراهام لينكولن (محرر العبيد) متطرفا؟ ومن ثم فإن القضية ليست: هل نكون متطرفين؟ بل هي في الواقع: أي نوع من المتطرفين نكون؟ أنكون متطرفين في المحافظة على الظلم، أو نكون متطرفين في خدمة قضية العدالة؟
وباستمرار الاحتجاج نجح كينج في خلق الأزمة التي كان يسعى إليها، وراح الزنوج يحرزون الانتصار تلو الآخر؛ فلم يسع البيض من سكان المدينة إلا أن خولوا على الفور لجنة للتفاوض مع زعماء الزنوج، وبعد مفاوضات شاقة وافق الكونجرس على سَن قانون الحقوق المدنية الذي نص على إلغاء التفرقة العنصرية والتمييز القائم على أساس الجنس واللون والدين في جميع المؤسسات العامة؛ مما حسن من أوضاع السود والأقليات الأخرى -على الأقل من الناحية القانونية-، وكان من نتيجة ذلك إنشاء مفوضية الحقوق المدنية كهيئة منظمة، وإنشاء دائرة الحقوق المدنية تابعة لوزارة العدل.
كما نبه كينج في أكثر من مرة إلى حقوق الانتخاب والتصويت إلى أن مرر الكونجرس القانون الذي قضى بأنه لا قيد على التصويت، وأنه من حق أي مواطن أمريكي بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دفع الضريبة أو اختبارات القراءة والكتابة وغيرها من القيود التي أنكرت حق الزنوج في التصويت.
وقد كان لهذا القانون تأثير عميق على الفرص السياسية للسود في الجنوب؛ فقد أبلغ مكتب الإحصاء في عام 1960 أن هناك 32 ألف أسود مسجلين للتصويت في المسيسبي، وقد زاد هذا العدد إلى 175 ألف عام 1966، كذلك نما العدد في ألاباما من 66 ألفا إلى 250 ألفا في نفس العام.
وفي أواخر الستينيات اتجه اهتمام مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية إلى بحث أوضاع الفقراء، وأشار مارتن إلى أن هذه الحملة لا تستهدف الفقراء من السود فقط، إنما يجب إنصاف الهنود الأمريكان والمكسيكيين والفقراء من البيض.
اغتيال أحلام مارتن
لم يستطيع مارتن أن يجني حصاد كل ما زرع؛ فقد اغتيل ببندقية أحد المتعصبين، يدعى (جيمس أرل راي) في 4 أبريل 1968، وماتت أحلام مارتن، ولم تنطفئ نار العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي خلال السنوات العشر الممتدة من عام 1982 وحتى عام 1992 صدرت عدة تقارير عن هيئات رسمية أمريكية لدراسة الأوضاع الاجتماعية في أمريكا، جاء في أحدها -وهو تقرير"الفقر وعدم المساواة وأزمة السياسة الاجتماعية" الذي صدر في أيلول 1991- أن معدل الفقر بين السود يصل إلى 49,3% أي أن نصف السود الأمريكيين يعيشون تحت خط الفقر، وفى تقرير آخر بعنوان "الجوع 1992" الصادر في عام 2001 يتحدث عن ارتفاع عدد الجياع بشكل مخيف؛ إذ إن 34 مليون شخص -معظمهم من السود ومن الهنود الحمر؛ أي من الأقليات الملونة في أمريكا- عانوا من الجوع عام 1992، وحظر التقرير من تفاقم هذه الظواهر في المجتمع الأمريكي الذي أصبح على حافة الخطر.
وصدق قول الزعيم الزنجي مارتن لوثر كينج في خطبته الشهيرة "إنني أحلم" (I have a dream) حينما وصف الزنوج بأنهم يقاضون أمريكا بدَين لم تفِ بسداده، فبدلا من أن تفي بشرف بما تعهدت به أعطت الزنوج شيكا بدون رصيد، وقد كتب عليه "إن الرصيد لا يكفي لصرفه".
فما كان من الزنوج إلا أن استخدموا المقاطعة لإجبار المدين على سداد بعض ديونه، لقد كانت المقاطعة بداية الشرارة التي تنذر باشتعال الحريق؛ فكثرة الكبت تولد الانفجار.
ويبقى سؤال: كم من الدائنين في العالم لم تفِ أمريكا بسداد دينها لهم؟!:(