عرض مشاركة واحدة
قديم 17-08-2008, 12:53 PM   #30

mad_killer
عضو مميز



الصورة الرمزية mad_killer


• الانـتـسـاب » Aug 2008
• رقـم العـضـويـة » 29466
• المشـــاركـات » 695
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
mad_killer صـاعـد

mad_killer غير متواجد حالياً



افتراضي دولة المماليك



وحدث فراغ سياسي كبير جداً بقتل توران شاه، فليس هناك أيوبي في مصر مؤهل لقيادة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن الأيوبيين في الشام مازالوا يطمعون في مصر، وحتماً سيجهزون أنفسهم للقدوم إليها لضمها إلى الشام، ولا شك أنه قد داخل الأيوبيين في الشام حنق كبير على المماليك لأنهم تجرءوا وقتلوا أيوبياً.. ولا شك أيضاً أن المماليك كانوا يدركون أن الأيوبيين سيحرصون على الثأر منهم، كما أنهم كانوا يدركون أن قيمتهم في الجيش المصري كبيرة جداً، وأن القوة الفعلية في مصر ليست لأيوبي أو غيره إنما هي لهم، وأنهم قد ظُلموا بعد موقعة المنصورة وفارسكور، لأنهم كانوا السبب في الانتصار ومع ذلك هُمّش دورهم..

كل هذا الخلفيات جعلت المماليك ـ ولأول مرة في تاريخ مصر ـ يفكرون في أن يمسكوا هم بمقاليد الأمور مباشرة!.. وما دام "الحكم لمن غلب"، وهم القادرون على أن يغلبوا، فلماذا لا يكون الحكم لهم؟!..



لقد استُخدم المماليك في مصر من أيام الطولونيين، والذين حكموا من سنة 254 هجرية إلى سنة 292 هجرية، يعني قبل هذه الأحداث بحوالي أربعة قرون كاملة، وكذلك استُخدموا في أيام الدولة الأخشيدية من سنة 323 هجرية إلى سنة 358 هجرية، و استُخدموا أيضاً في أيام الفاطميين الشيعة الذين حكموا من سنة 358 هجرية إلى زمان صلاح الدين الأيوبي، حيث انتهت خلافتهم في سنة 567 هجرية (ما يزيد على قرنين كاملين).. واستُخدِموا أيضًا وبكثرة في عهد الأيوبيين كما رأينا..

وفي كل هذه الفترات كان الجيش يعتمد تقريباً على المماليك، ومع ذلك لم يفكروا مطلقاً في حكم ولا سيادة، بل كانوا دائماً أعوان الملوك، وما كانت تخطر على أذهانهم فكرة الملك أبداً لكونهم من المماليك الذين يباعون ويشترون، ولم تكن لهم عائلات معروفة ينتمون إليها، ولا شك أن هذا كان يشعرهم بالغربة في البلاد الجديدة التي يعيشون فيها، كما أن الخطر لم يكن يمسهم شخصياً؛ فهم تبع للسلطة الجديدة، ولا يُستهدفون لذواتهم، أما الآن فالمؤمرات تدبر لهم، والدائرة ستدور عليهم، والملوك ضعفاء، والقوة كلها بأيدي المماليك.. فلماذا لا يجربون حظهم في الحكم؟!

لكن صعود المماليك مباشرة إلى الحكم سيكون مستهجناً جداً في مصر، فالناس لا تنسى أن المماليك ـ في الأساس ـ عبيد، يباعون ويشترون، وشرط الحرية من الشروط الأساسية للحاكم المسلم.. وحتى لو أُعتقوا فإن تقبُّل الناس لهم (كحُكَّام) سيكون صعبًا.. وحتى لو كثرت في أيديهم الأموال، وتعددت الكفاءات، وحكموا الأقاليم والإقطاعات، فهم في النهاية مماليك.. وصعودهم إلى الحكم يحتاج إلى حجة مقنعة للشعب الذي لم يألفهم في كراسي السلاطين..

كل هذا دفع المماليك البحرية الصالحية إلى أن يرغبوا بعد مقتل توران شاه في "فترة انتقالية" تمهد الطريق لحكم المماليك الأقوياء، وفي ذات الوقت لا تقلب عليهم الدنيا في مصر أو في العالم الإسلامي..



كانت هذه هي حسابات المماليك الصالحية البحرية..

فماذا كانت حسابات شجرة الدر؟!..

شجرة الدرّ امرأة ذات طابع خاص جداً.. لا تتكرر كثيراً في التاريخ.. فهي امرأة قوية جداً.. شجاعة.. جريئة.. لها عقل مدبر، وتتمتع بحكمة شديدة.. كما أن لها القدرة على القيادة والإدارة.. وكانت شجرة الدرّ ترى في نفسها كل هذه القدرات.. وكانت شديدة الإعجاب بإمكانيتها وبنفسها (وكان هذا من أكبر مشاكلها).. مما دفعها إلى تفكير جديد تماماً على الفكر الإسلامي، وخاصة في هذه الفترة من تاريخ الأمة..

لقد فكرت شجرة الدر في الصعود إلى كرسي الحكم في مصر!!.. وهذا أمر هائل فعلاً، وهذه سباحة عنيفة جداً ضد التيار.. لكنها وجدت في نفسها الملكات التي تسمح بتطبيق هذه الفكرة الجريئة!.. فقالت لنفسها: لقد حكمت البلاد سرًا أيام معركة المنصورة، فلماذا لا أحكمها جهرًا الآن؟



في ذات الوقت وجد المماليك البحرية في شجرة الدرّ الفترة الانتقالية التي يريدون.. إنها زوجة "الأستاذ".. زوجة الملك الصالح أيوب الذي يكنّون له (ويكنُّ له الشعب كله) كامل الوفاء والاحترام والحب، وهي في نفس الوقت تعتبر من المماليك لأن أصلها جارية وأعتقت، كما أنها في النهاية امرأة، ويستطيع المماليك من خلالها أن يحكموا مصر، وأن يوفروا الأمان لأرواحهم..

وبذلك توافقت رغبات المماليك مع رغبة شجرة الدر.. وقرروا جميعاً إعلان شجرة الدرّ حاكمة لمصر بعد مقتل توران شاه بأيام، وذلك في أوائل صفر سنة 648 هجرية!..



وقامت الدنيا ولم تقعد!!..

تفجرت ثورات الغضب في كل مكان.. وعمّ الرفض لهذه الفكرة في أطراف العالم الإسلامي.. وحاولت شجرة الدرّ أن تُجمل الصورة قدر استطاعتها، فنسبت نفسها إلى زوجها المحبوب عند الشعب الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقالت عن نفسها إنها ملكة المسلمين الصالحية.. ثم وجدت أن ذلك غير كافٍ فنسبت نفسها إلى ابنها الصغير ابن الصالح أيوب، والمعروف باسم "الخليل"، فلقبت نفسها "ملكة المسلمين الصالحية والدة السلطان خليل أمير المؤمنين"، ثم وجدت ذلك أيضاً غير كاف فأضافت نفسها إلى الخليفة العباسي الذي كان يحكم بغداد في ذلك الوقت وهو "المستعصم بالله"، والذي سقطت في عهده بغداد في يد التتار كما فصلنا قبل ذلك، فقالت شجرة الدرّ عن نفسها: "ملكة المسلمين المستعصمية (نسبة إلى المستعصم) الصالحية (نسبة إلى الصالح أيوب) والدة السلطان خليل أمير المؤمنين"!!..

ومع كل هذه المحاولات للتزلف إلى العامة وإلى العلماء ليقبلوا الفكرة إلا أن الغضب لم يتوقف، وظهر على كافة المستويات.. وخاصةً أن البلاد في أزمة خطيرة، والوضع حرج للغاية؛ فالحملات الصليبية الشرسة لا تتوقف، والإمارات الصليبية منتشرة في فلسطين، وهي قريبة جداً من مصر، وأمراء الشام الأيوبيون يطمعون في مصر، والصراع كان محتدماً بينهم وبين السلطان الراحل نجم الدين أيوب، كما أن التتار يجتاحون الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها، وأنهار دماء المسلمين لا تتوقف، والتتار الآن يطرقون باب الخلافة العباسية بعنف.. ومصر في هذا الوقت الحرج على فوهة بركان خطير.. ولا يدري أحد متى ينفجر البركان!!..

وقامت المظاهرات العارمة على المستوى الشعبي في القاهرة في كل أنحائها، وشرع المتظاهرون في الخروج بمظاهراتهم إلى خارج حدود المدينة، مما اضطر السلطات الحكومية إلى غلق أبواب القاهرة لمنع انتشار المظاهرات إلى المناطق الريفية..

وقام العلماء والخطباء ينددون بذلك على منابرهم، وفي دروسهم، وفي المحافل العامة والخاصة، وكان من أشد العلماء غضباً وإنكاراً الشيخ الجليل "العز بن عبد السلام" رحمه الله أبرز العلماء في ذلك الوقت..

كما أظهر الأمراء الأيوبيون في الشام حنقهم الشديد، واعتراضهم المغلظ على صعود النساء إلى كرسي الحكم في مصر..

وجاء رد الخليفة العباسي "المستعصم بالله" قاسياً جداً، وشديداً جداً، بل وساخراً جداً من الشعب المصري كله، فقد قال في رسالته: "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم أعلمونا، حتى نسير إليكم رجلاً!"..

وهكذا لم تتوقف الاعتراضات على الملكة الجديدة.. ولم تنعم بيوم واحد فيه راحة، وخافت الملكة الطموحة على نفسها، وخاصة في هذه الأيام التي يكون فيها التغيير عادة بالسيف والذبح لا بالخلع والإبعاد.. ومن هنا قررت الملكة شجرة الدرّ بسرعة أن تتنازل عن الحكم.... لرجل!!.. أي رجل!!..

لكن لمن تتنازل؟!

إنها مازالت ترغب في الحكم، وتتشوق إليه، وما زالت تعتقد في إمكانياتها العقلية والإدارية والقيادية.. وهي إمكانيات هائلة فعلاً.. فماذا تفعل؟!

لقد قررت الملكة شجرة الدرّ أن تمسك العصا - كما يقولون - من منتصفها، فتحكم باطناً وتتنحى ظاهراً، ففكرت في لعبة سياسية خطيرة وهي أن تتزوج من أحد الرجال.. ثم تتنازل له عن الحكم ليكون هو في الصورة.. ثم تحكم هي البلاد بعد ذلك من خلاله.. أو من "خلف الستار" كما يحدث كثيراً في أوساط السياسة، فكم من الحكام ليس لهم من الحكم إلا الاسم، وكم من السلاطين ليس لهم من السلطة نصيب، وما أكثر الرجال الذين سيقبلون بهذا الوضع في نظير أن يبقى أطول فترة ممكنة في الكرسي الوثير: كرسي الحكم!!!..

ولهذا فشجرة الدرّ لا تبغي الزواج لذات الزواج، ولاتريد رجلاً حقيقة، إنما تريد فقط "صورة رجل".. لأن هذا الرجل لو كان قوياً لحكم هو، ولأمسك بمقاليد الأمور في البلاد وحده.. ولذلك أيضاً يجب أن لا يكون هذا الرجل من عائلة قوية أصيلة، وذلك حتى لا تؤثر عليه عائلته، فيخرج الحكم من يد الملكة شجرة الدر.. وحبذا لو كان هذا المختار سعيد الحظ من المماليك، وذلك حتى تضمن ولاء المماليك، وهذا أمر في غاية الأهمية، فلو كان هذا الرجل هو السند الشرعي للحكم، فالمماليك هم السند الفعلي والعسكري والواقعي للحكم..



عز الدين أيبك..

وضعت شجرة الدرّ كل هذه الأمور في ذهنها، ومن ثم اختارت رجلاً من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات، والهدوء النسبي، وكلها صفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها.. وكان هذا الرجل هو "عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي".. وهو من المماليك الصالحية البحرية.. أي من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب.. ولم تختر شجرة الدرّ رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس، وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع..



وبالفعل تزوجت شجرة الدرّ من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم كما رسمت، وذلك بعد أن حكمت البلاد ثمانين يوماً فقط، وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الثاني من نفس السنة.. سنة 648 هجرية.. وهكذا في غضون سنة واحدة فقط جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك.. وهم الملك الصالح أيوب رحمه الله ثم مات، فتولى توران شاه ابنه ثم قتل، فتولت شجرة الدرّ ثم تنازلت، فتولى عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي!..

وتلقب عزّ الدين أيبك "بالملك المعز"، وأخذت له البيعة في مصر..

وكأن الله سبحانه - بهذه الأحداث – أراد أن يمهّد عقول المصريين لقبول فكرة صعود المماليك إلى كرسي الحكم..

وقبل الشعب في مصر بالوضع الجديد.. فهو ـ وإن لم يكن مثالياً في رأيهم ـ إلا أنه أفضل حالاً من تولي امرأة، كما أن البديل من الأيوبيين في مصر غير موجود، والبديل من الأيوبيين في الشام غير موجود أيضاً؛ فأمراء الأيوبيين في الشام كانوا في غاية الضعف والسوء والعمالة والخيانة.. وقد مرّ بنا قبل ذلك تخاذلهم وتعاونهم مع التتار، وكذلك تخاذلهم وتعاونهم مع الصليبيين..



واستقر الوضع نسبياً في مصر بزعامة عزّ الدين أيبك، والذي يعتبر أول حاكم مملوكي في مصر، وإن كان بعض المؤرخين يعتبر أن شجرة الدرّ هي أولى المماليك في حكم مصر لأنها أصلاً مملوكة أو جارية.

وبدأت شجرة الدرّ تحكم من وراء الستار ـ كما أرادت ـ، وهي مؤيدة بالمماليك القوية، وخاصة ـ كما ذكرنا ـ فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس..



ولكن يبدو أن ذكاء شجرة الدرّ قد خانها عند اختيار ذلك الرجل؛ فالملك المعز عزّ الدين أيبك لم يكن بالضعف الذي تخيلته شجرة الدرّ ولا المماليك البحرية، فقد أدرك الملك الجديد من أول لحظة مرامي الملكة المتنازلة عن العرش، وعرف خطورة إخوانه من المماليك البحرية في مصر وقوتهم، فبدأ يرتب أوراقه من جديد، ولكن في حذر شديد..



كان الملك المعز عزّ الدين أيبك من الذكاء بحيث إنه لم يصطدم بشجرة الدرّ ولا بزعماء المماليك البحرية في أول أمره.. بل بدأ يقوي من شأنه، ويعد عدته تدريجياً، فبدأ يشتري المماليك الخاصة به، ويعد قوة مملوكية عسكرية تدين له هو شخصياً بالولاء، وانتقى من مماليك مصر من يصلح لهذه المهمة، وكوّن ما يعرف في التاريخ "بالمماليك المعزية" نسبة إليه (المعز عز الدين أيبك)، ووضع على رأس هذه المجموعة أبرز رجاله، وأقوى فرسانه، وأعظم أمرائه مطلقاً وهو "سيف الدين قطز" رحمه الله..

وكان هذا هو أول ظهور تاريخي للبطل الإسلامي الشهير: سيف الدين قطز، فكان يشغل مركز قائد مجموعة المماليك الخاصة بالملك المعز عز الدين أيبك.. وسيأتي إن شاء الله حديث قريب عن قطز رحمه الله وعن أصله..



ومع أن الملك المعز عزّ الدين أيبك نفسه من المماليك البحرية إلا أنه بدأ يحدث بينه وبينهم نفور شديد.. أما هو فيعلم مدى قوتهم وارتباطهم بكلمة زوجته شجرة الدرّ التي لا تريد أن تعامله كملك بل "كصورة ملك".. وأما هم فلا شك أن عوامل شتى من الغيرة والحسد كانت تغلي في قلوبهم على هذا المملوك صاحب الكفاءات المحدودة في نظرهم الذي يجلس الآن على عرش مصر، ويُلقب بالملك.. أما هم فيلقبون بالمماليك.. وشتان!!..

لكن الملك الذكي المعز عزّ الدين أيبك لم يُستفز مبكراً.. بل ظل هادئاً يعد عدته في رزانة، ويكثر من مماليكه في صمت..



ومرت الأيام، وحدث أن تجمعت قوى الأمراء الأيوبيين الشاميين لغزو مصر، وذلك لاسترداد حكم الأيوبيين بها.. وكانت الشام قد خرجت من حكم ملك مصر بعد وفاة توران شاه مباشرة.. والتقى معهم الملك المعز عزّ الدين أيبك بنفسه في موقعة فاصلة عند منطقة تسمى "العباسية" وهي تقع على بعد حوالي عشرين كيلومترًا شرقي الزقازيق الآن، وذلك في العاشر من ذي القعدة سنة 648 هجرية، أي بعد أربعة شهور فقط من حكمه، وانتصر الملك المعز عزّ الدين أيبك على خصومه انتصاراً كبيراً، ولا شك أن هذا الانتصار رفع أسهمه عند الشعب المصري، وثبت من أقدامه على العرش..



وفي سنة 651 هجرية (بعد 3 سنوات من حكم أيبك) حدث خلاف جديد بين أمراء الشام والملك المعز عز الدين أيبك، ولكن قبل أن تحدث الحرب تدخل الخليفة العباسي المستعصم بالله ـ وهذه نقطة تحسب له ـ للإصلاح بين الطرفين، وكان من جراء هذا الصلح أن دخلت فلسطين بكاملها حتى الجليل شمالاً تحت حكم مصر، فكانت هذه إضافة لقوة الملك المعز عز الدين أيبك، ثم حدث تطور خطير لصالحه وهو اعتراف الخليفة العباسي بزعامة الملك المعز عزّ الدين أيبك على مصر، والخليفة العباسي ـ وإن كان ضعيفاً، وليست له سلطة فعلية ـ إلا أن اعترافه يعطي للملك المعز صبغة شرعية هامة..



بين "أيبك" و"أقطاي":

كل هذه الأحداث مكنت الملك المعز عزّ الدين أيبك من التحكم في مقاليد الأمور في مصر، ومن ثم زاد نفور زعماء المماليك البحرية منه، وبخاصةٍ فارس الدين أقطاي الذي كان يبادله كراهية معلنة، لا يخفيها بل يتعمد إبرازها.. فكما يقول "المقريزي" في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك": "لقد بالغ فارس الدين أقطاي في احتقار أيبك والاستهانة به، بحيث كان يناديه باسمه مجرداً من أي ألقاب"، وهذا يعكس اعتقاد فارس الدين أقطاي أن هذا الملك صورة لا قيمة لها، وتخيل قائد الجيش ينادي الملك هكذا: يا أيبك.. ولا يناديه هكذا صداقة بل احتقاراً..

هذه المعاملة من أقطاي، وإحساس أيبك من داخله أن المماليك البحرية ـ وقد يكون الشعب ـ ينظرون إليه على أنه مجرد "زوج" للملكة المتحكمة في الدولة.. هذا جعله يفكر جدياً في التخلص من أقطاي ليضمن الأمان لنفسه، وليثبت قوته للجميع.. وهكذا لا يحب الملوك عادة أن يبرز إلى جوارهم زعيم يعتقد الشعب في قوته أو حكمته..

انتظر أيبك الفرصة المناسبة، إلى أن علم أن أقطاي يتجهز للزواج من إحدى الأميرات الأيوبيات، فأدرك أن أقطاي يحاول أن يضفي على نفسه صورة جميلة أمام الشعب، وأن يجعل له انتماءً واضحاً للأسرة الأيوبية التي حكمت مصر قرابة ثمانين سنة، وإذا كانت شجرة الدرّ حكمت مصر لكونها زوجة الصالح أيوب، فلماذا لا يحكم أقطاي مصر لكونه زوجاً لأميرة أيوبية، فضلاً عن قوته وبأسه وتاريخه وقيادته للجيش في موقعة المنصورة الفاصلة؟!..

هنا شعر الملك المعز عزّ الدين أيبك بالخطر الشديد، وأن هذه بوادر انقلاب عليه، والانقلاب عادة يكون بالسيف، فاعتبر أن ما فعله أقطاي سابقاً من إهانة واحتقار، وما يفعله الآن من زواج بالأميرة الأيوبية ما هو إلا مؤامرة لتنحية أيبك عن الحكم، ومن ثم أصدر أيبك أوامره "بقتل" زعيم المماليك البحرية فارس الدين أقطاي.. لأنه "ينوي" الانقلاب!!!..

وبالفعل تم قتل فارس الدين أقطاي بأوامر الملك المعز، وبتنفيذ المماليك المعزية، وتم ذلك في 3 شعبان سنة 652 هجرية..



وبقتل فارس الدين أقطاي خلت الساحة لعز الدين أيبك، وبدأ يظهر قوته، ويبرز كلمته، وبدأ دور الزوجة شجرة الدرّ يقل ويضمحل؛ فقد اكتسب الملك المعز الخبرة اللازمة، وزادت قوة مماليكه المعزية، واستقرت الأوضاع في بلده، فرضي عنه شعبه، واعترف له الخليفة العباسي بالسيادة، ورضي منه أمراء الشام الأيوبيون بالصلح..



وبقتل فارس الدين أقطاي انقسم المماليك إلى حزبين كبيرين متنافرين: المماليك البحرية الذين يدينون بالولاء لشجرة الدر، والمماليك المعزية الذين يدينون بالولاء للملك المعز عزّ الدين أيبك..

وحيث إن فارس الدين أقطاي نفسه ـ وهو أكبر المماليك البحرية قدراً، وأعظمهم هيبة ـ قد قُتل، فاحتمال قتل بقية زعماء المماليك البحرية أصبح قريباً.. وبات المماليك البحرية في توجس وريبة.. وما استطاعت زعيمتهم شجرة الدرّ أن تفعل لهم شيئاً، وهنا قرر زعماء المماليك البحرية الهروب إلى الشام خوفاً من الملك المعز عز الدين أيبك، وكان على رأس الهاربين ركن الدين بيبرس، الذي ذهب إلى الناصر يوسف، هذا الخائن الذي كان يحكم حلب ثم دمشق، ودخل ركن الدين بيبرس في طاعته..



وهكذا صفا الجو في مصر تماماً للملك المعز عز الدين أيبك، وإن كان العداء بينه وبين المماليك البحرية قد خرج من مرحلة الشكوك والتوقعات وأصبح معلناً وصريحاً، و من جديد توسط الخليفة العباسي المستعصم بالله ليضمن استقرار الأوضاع في مصر والشام، لأن انضمام المماليك البحرية إلى الأمراء الأيوبيين بالشام قد يشعل نار الفتنة من جديد بين مصر والشام، ونجحت وساطة الخليفة العباسي، واتفقوا على أن يعيش المماليك البحرية في فلسطين التي كانت تابعة للملك المعز، ويبقى الملك المعز في مصر، إلا أن ركن الدين بيبرس ـ زعيم المماليك البحرية الآن بعد قتل فارس الدين أقطاي ـ آثر أن يبقى في دمشق عند الناصر يوسف الأيوبي..



"شجرة الدر" تحترق!!

ومرت السنوات، والملك المعز عزّ الدين أيبك مستقر في عرشه، وقد أصبح قائده سيف الدين قطز قائداً بارزاً معروفاً عند الخاصة والعامة، واختفي تقريباً دور الزوجة الملكة القديمة شجرة الدر، وهذا كله ولاشك جعل الحقد يغلي في قلب شجرة الدر، ولا شك أن عزّ الدين أيبك كان يبادلها الشعور بالكراهية، فهو يعلم أنها ما تزوجته إلا لتحكم مصر من خلاله، ولكن أحياناً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!..



وجاءت سنة 655 هجرية وقد مرت7 سنوات كاملة على حكم الملك المعز عز الدين أيبك، وأراد الملك المعز أن يثبت أقدامه على العرش بصورة أكبر، بل وتزايدت أطماعه جداً في المناطق المجاورة له في فلسطين والشام، ولم تكن له طاقة على تنفيذ أحلامه بمفرده، فأراد أن يقيم حلفاً مع أحد الأمراء الكبار في المنطقة ليساعده في ذلك، ولما كانت الخيانة في العهود أمراً طبيعياً في تلك الآونة، فإنه أراد أن يوثق الحلف برباط غليظ وهو...... الزواج!!..

واختار الملك المعز عزّ الدين أيبك بنت حاكم الموصل الأمير الخائن "بدر الدين لؤلؤ"، والذي تحدثنا عنه كثيراً، وعن تعاونه المقزز مع التتار..



وعلمت شجرة الدرّ بهذا الأمر فاشتعلت الغيرة في قلبها.. وركبها الهم والغم، وعلمت أنه لو تم هذا الزواج الجديد فستطوى صفحتها تماماً من التاريخ، وأعْمَتها الكراهية عن حسن تقدير الأمور، وهي التي اشتهرت بالحكمة، فلم تقدّر أن زعماء المماليك البحرية قد اختفوا، وأن القوة الحقيقية الآن في أيدي المماليك المعزّية الذين يدينون بالولاء والطاعة للملك المعز عز الدين أيبك.. لم تقدّر كل ذلك، وقررت بعاطفة المرأة أن تقدم على خطوة غير مدروسة، ولكنها مألوفة لديها، فقد فعلتها قبل ذلك مع توران شاه ابن زوجها السابق، وهي ستفعلها الآن مع زوجها الحالي.. وهذه الخطوة هي: قتل الزوج الملك المعز: عزّ الدين أيبك.. فليُقتل وليكن ما يكون!.. هكذا فكرت شجرة الدر!!..

وبالفعل دبرت مؤامرة لئيمة لقتل زوجها الملك، وتم تنفيذ المؤامرة فعلاً في قصرها في شهر ربيع الأول سنة655 هجرية، ولينتهي بذلك حكم المعز عزّ الدين أيبك بعد سبع سنوات من الجلوس على عرش مصر، وهكذا تكون شجرة الدرّ قد قتلت اثنين من سلاطين مصر: توران شاه ثم عز الدين أيبك..



وعلم الجميع بجريمة القتل، وأسرع سيف الدين قطز قائد الجيش والذراع اليمنى للمعز عز الدين أيبك، ومعه ابن عزّ الدين أيبك من زوجته الأولى وكان اسمه نور الدين علي.. أسرعا ومعهما فرقة من المماليك المعزية، وألقيا القبض على شجرة الدرّ..

وطلبت أمّ نور الدين علي وزوجة المعز عزّ الدين أيبك الأولى أن يترك لها الأمر في التصرف مع ضرتها شجرة الدرّ، وكانت النهاية المأساوية المشهورة، أن أمرت أمّ نور الدين جواريها أن تُقتل الملكة السابقة "ضرباً بالقباقيب"!!!..

ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فقد قتلت شجرة الدرّ عزّ الدين أيبك دون مبرر معقول.. فليس الزواج من امرأة أخرى جريمة، وليس الانفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك فليس لديها مسوغ شرعي للقتل فكان لابد أن تُقتل.. ولكن المؤكد أن الطريقة التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية.. بل كانت طريقة نسائية بحتة.. لم يقصد منها القتل فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، على نحو ما فُعل بالخليفة المستعصم بعد ذلك عند سقوط بغداد عندما قتل رفساً بالأقدام!..

وهذه نهايات خاصة جداً يكتبها الله عز وجل لبعض الملوك ممن لم يرع حق الله وحق الشعوب في الدنيا!!..



وبعد مقتل الملك المعز عزّ الدين أيبك ثم مقتل شجرة الدرّ بويع لابن عزّ الدين أيبك وهو نور الدين علي، والذي لم يكن قد بلغ بعد الخامسة عشر من عمره، وهذه مخالفة كبيرة جداً ولا شك، ولكن لعله قد وُضع في هذا التوقيت لكي يوقف النزاع المتوقع بين زعماء المماليك على الحكم.. وتلقب السلطان الصغير بلقب "المنصور"، وتولى الوصاية الكاملة عليه أقوى الرجال في مصر في ذلك الوقت وهو سيف الدين قطز قائد الجيش، وزعيم المماليك المعزّية، وأكثر الناس ولاءً للملك السابق المعزّ عزّ الدين أيبك.. وكانت هذه البيعة لهذا السلطان الطفل في ربيع الأول من سنة 655 هجرية..

وأصبح الحاكم الفعلي لمصر هو .... سيف الدين قطز رحمه الله..



من هو سيف الدين قطز؟

سيف الدين قطز هو واحد من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين.. اسمه الأصلي "محمود بن ممدود"، وهو من بيت مسلم ملكي أصيل.. وسبحان الله!!.. كم هي صغيرة تلك الدنيا!!.. فقطز رحمه الله هو ابن أخت جلال الدين الخوارزمي!!!.. وجلال الدين هو ملك الخوارزميين المشهور، والذي تحدثنا عنه كثيراً في أوائل هذا الكتاب، والذي قاوم التتار فترة وانتصر عليهم، ثم هُزم منهم، وفرّ إلى الهند، وعند فراره إلى الهند أمسك التتار بأسرته فقتلوا معظمهم، واسترقوا بعضهم، وكان محمود بن ممدود أحد أولئك الذين استرقهم التتار، وأطلقوا عليه اسماً مغولياً هو "قطز"، وهي كلمة تعني "ال*** الشرس"، ويبدو أنه كانت تبدو عليه من صغره علامات القوة والبأس، ثم باعه التتار بعد ذلك في أسواق الرقيق في دمشق، واشتراه أحد الأيوبيين، وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره، حتى وصل في النهاية إلى الملك المعز عزّ الدين أيبك ليصبح أكبر قواده كما رأينا..

ولعلنا نلحظ بوضوح في قصة قطز التدبير العجيب لرب العالمين سبحانه.. فالتتار مكروا بالمسلمين واسترقّوا أحد أطفالهم وباعوه بأنفسهم في دمشق.. ليباع بعد ذلك من واحد إلى واحد ليصل إلى بلد لم يرها قبل ذلك، ولعله لم يكن يسمح بها في هذه السن الصغيرة.. ليصبح في النهاية ملكًا عليها, وتكون نهاية التتار الذين قاموا بنقله من أقاصي بلاد المسلمين إلى مصر على يديه هو بالتحديد!!! وسبحان الذي يدبر بلطف, ويمكر بحكمة, ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. "ومكروا مكرًا, ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون"..



نشأ قطز رحمه الله ـ كبقية المماليك ـ على التربية الدينية القويمة، وتشبع بالحمية الإسلامية القوية، وتدرب منذ صغره على فنون الفروسية، وأساليب القتال، وأنواع الإدارة، وطرق القيادة.. فنشأ شاباً فتياً أبياً محباً للدين معظماً له.. وكان رحمه الله قوياً صبوراً جلداً.. كل هذا بالإضافة إلى أنه وُلد في بيت ملكي، فكانت طفولته طفولة الأمراء، وهذا أعطاه ثقة كبيرة في نفسه، فهو لم يكن غريباً على أمور القيادة والإدارة والحكم، وفوق كل هذا فإن أسرته قد هلكت تحت أقدام التتار، وهذا ـ ولا شك ـ جعله يفقه جيداً مأساة التتار.. وليس من رأى كمن سمع..

كل هذه العوامل مجتمعة صنعت من قطز رجلاً ذا طراز خاص جداً.. يستهين بالشدائد، ولا يرهب أعداءه، وذلك مهما كثرت أعدادهم، أو تفوقت قوتهم..

لقد كان للتربية الإسلامية العسكرية، والتربية على الثقة بالله، والثقة بالدين، والثقة بالنفس أثر كبير في حياة قطز رحمه الله..



نعود إلى الوضع في مصر..

لقد قتل الملك المعز عز الدين أيبك، ثم قتلت بعده زوجته شجرة الدر، ثم تولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين علي بن عز الدين أيبك، وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير..

وكما أحدث صعود شجرة الدرّ إلى كرسي الحكم قبل ذلك اضطرابات كثيرة في مصر والعالم الإسلامي، فكذلك أحدث صعود الطفل نور الدين إلى كرسي الحكم نفس الاضطرابات، وكانت أكثر الاضطرابات تأتي من قبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر، ولم يهربوا إلى الشام مع من هرب منها أيام الملك المعز عز الدين أيبك، وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية ـ واسمه "سنجر الحلبي" ـ الثورة، وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عز الدين أيبك، فاضطر قطز إلى القبض عليه وحبسه.. كذلك قبض قطز على بعض رءوس الثورات المختلفة، فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام، وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى هناك أيام الملك المعزّ، ولما وصل المماليك البحرية إلى الشام شجعوا الأمراء الأيوبيين على غزو مصر، واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء، ومنهم "مغيث الدين عمر" أمير الكرك (بالأردن حالياً) الذي تقدم بجيشه لغزو مصر! وكان أميراً ضعيفاً جداً، ومع ذلك كان صاحب أطماع أكبر كثيراً من حجمه!.. ووصل مغيث الدين بالفعل بجيشه إلى مصر، وخرج له قطز فصدّه عن د*** مصر، وذلك في ذي القعدة من سنة 655 هجرية، ثم عاد مغيث الدين تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد، ولكن صدّه قطز مرة أخرى في ربيع الآخر سنة 656 هجرية..

ومن الجدير بالذكر أن هذه المرة الأخيرة التي حاول فيها المغيث عمر الأيوبي أن يغزو مصر كانت - كما أشرت ـ في شهر ربيع الآخر سنة 656 هجرية، أي بعد سقوط "بغداد" عاصمة الخلافة الإسلامية بأقلّ من شهرين فقط!!.. فبدلاً من توجيه كل الطاقة إلى قضية التتار إذا به يتوجه لحرب المسلمين!! إنه مرض الحَوَل السياسي الذي كان منتشرًا في تلك الأيام وفي أي زمان يبتعد المسلمون فيه عن ربهم!



سقطت بغداد ـ كما مرّ بنا ـ في صفر سنة 656 هجرية، وبدأ هولاكو في الإعداد لغزو الشام، وحاصر ابنه أشموط ميافارقين بداية من رجب سنة 656 هجرية، وبدأ هولاكو في التحرك من فارس إلى الشام مروراً بشمال العراق في سنة 657 هجرية، واحتل نصيبين والرها وإلبيرة، واقترب من حلب.. وأصبح واضحاً أن هولاكو لن يهدأ حتى يسقط الشام بكامله، وبعد الشام لابد أن تكون الخطوة التالية هي مصر..



وقطز رحمه الله - وإن كان يدير الأمور فعلياً في مصر ـ لكن الذي يجلس على الكرسي سلطان طفل، ولا شك أن هذا كان يضعف من هيبة الحكم في مصر، ويزعزع من ثقة الناس بملكهم، ويقوي من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلاً.

وفي ضوء الخطر التتري الرهيب، والمشاكل الداخلية الطاحنة، واضطرابات وثورات المماليك البحرية، وأطماع الأمراء الأيوبيين الشاميين.. في ضوء كل ذلك لم يجد قطز رحمه الله أي معنى لأن يبقى السلطان الطفل "نور الدين علي" على كرسي أهم دولة في المنطقة، وهي مصر، والتي لم يعد هناك أمل في صد التتار إلا فيها..

هنا اتخذ قطز القرار الجريء، وهو عزل السلطان الطفل نور الدين علي، واعتلاء قطز بنفسه عرش مصر، ولم يكن القرار غريباً؛ فقطز هو الحاكم الفعلي للبلاد، والجميع - بمن فيهم السلطان الطفل نفسه - يدركون ذلك تمام الإدراك، ولكن هناك صورة هزلية مضحكة يتحرك قطز من خلفها، وهي صورة السلطان الطفل، فما كان من قطز إلا أن رفع هذه الصورة الهزلية ليظهر من ورائها الأسد الهصور الذي على يديه ستتغير معالم الأرض، وتتغير جغرافية العالم، وتتغير كثيرٌ من صفحات التاريخ..

حدث هذا الأمر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 657 هجرية، أي قبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام.. ومنذ أن صعد قطز رحمه الله إلى كرسي الحكم وهو يعدّ العدّة للقاء التتار..

وستحدث أحداث جسام على أرض مصر..

وسيُنتهج نهج جديد على ذلك الزمن..

وستُرفع رايات جديدة ما رُفِعت منذ أمد..

وستُجهز جيوش ما جُهّزت منذ أزمان طويلة..

وسيكون اليوم الذي لا يشبهه من أيام الزمان إلا قليل..

كيف سيحدث كل ذلك؟!!

هذا حديث يطول شرحه، وهو موضوع الفصل القادم..

"الإعداد لعين جالوت!"..




رد مع اقتباس