![]() |
#16 | ||||||||||
![]() ![]()
|
مرت فترة و بدأ صديقي يهدأ وحاولت قدر استطاعتي أن أنسيه أحزانه و تقريباً لقد قضيت كل الأيام التي تبقت من الإجازة الصيفية ملازماً إياه في غرفتي ليل نهار حتى ظنت أمي أنني مريض ! المهم أنه في الثالث عشر من سبتمبر كان أول يوم لي في جامعة القاهرة .. و كلية الهندسة ؟! الحلم الذي مات غيري على بابه... ها أنا أصل إليه باجتهادي و بمساعدات رفيقي العزيز المخلص ! كان جدول المحاضرات موضوع في واجهة مبنى الكلية من الخارج .. فنقلت جدول محاضرات السنة الأولى مبتهجاً ثم دخلت أول محاضرة جامعية في حياتي ! بالفعل مواد الهندسة هذه بشعة .. صعبة للغاية حتى أن الرياضيات والفيزياء التي كادت تقضي علينا في الثانوية العامة تبدو بجوارها مجرد مزحة صغيرة ! كدت أصعق في المحاضرة الأولى و أنا جالس أمام أستاذ مهيب ؛ يبدو كأنه ( لورد إنجليزي ) نسيته أمه في الأتوبيس السياحي ؛ لا أفهم كلمة من الرطانة التي يلقيها علينا وكأنه يلقفنا بالحجارة .. و كانت زميلتي الجالسة تغمغم بكلمات ساخطة دلتني على أنها هي أيضاً لا تكاد تفهم شيء مما يقوله ( البروفسور جيلديا ) هذا ! والحقيقة لقد كدت أيأس وأفكر في تحويل أوراقي إلى كلية الحاسبات والمعلومات لولا أنني اختلست نظرة صغيرة من زميلتي هذه .. و كانت هذه النظرة كافية لإثنائي عن قرار التحويل حتى لو ضربوا كلية الهندسة بالقنابل النووية ! .............................. كانت بارعة الجمال حسناء للغاية كأنها تركية من بقايا أسرة " محمد على " و لكنها كانت مصرية مائة في المائة .. بل ( تربية حواري ) إذا شئتم الحق فهي من أعماق الأحياء الشعبية التي تحتفظ ببقايا مصر الحقيقية .. تفطر فول بالزيت الحار ومعه و لابد فحل البصل المقدس .. و تتغذى باذنجان مقلي و سلطة و تتعشى جبنة و فول وتتناول ( الزفر ) في المناسبات السعيدة أو من بقايا الخروف الذي ذبحوه يوم خرجة جدتها ! ولكنها في كلية الهندسة و تدرس بإصرار أبيها الذي يقتطع من قوته ليعلمها هي و أخوتها .. الحقيقة أنني سقطت في غرامها من اللحظة الأولى و أحببت مواد الهندسة من أجلها .. و حرصت على ألا أفوت محاضرة لأنها هي بدورها لم تكن تفعل ! المهم أنه بعد أسبوع واحد كنت قد وقعت في غرام أهوج متسرع لم أقدر خطورته إلا بعدها بأشهر ! .............................. رفيقي بدوره كان قد بدأ في التحسن وإن كانت علامات الحزن العميق قد انتقلت من وجهه إلى عينيه اللتين لم تكونا تعرفان من قبل سوى السرور والطيبة والشقاوة والنزق وساعدته أنا بكل قواي على تجاوز هذه المرحلة .. حتى لقد كنت على استعداد أن أتخلى عن أي شيء في العالم مقابل عودته لطبيعته السابقة .. وفي يوم أسود لن أنساه عرضت على صديقي أن يرافقني إلى الجامعة مساءً ليرى هذه ( الجامعة ) التي يدرس فيها هؤلاء البشر على مدار أعوام طويلة ما يقدر هو على تعلمه في ثلاث دقائق لا أكثر ! كان لدي محاضرة في الثامنة مساءً يومئذ و وجدتها فرصة مناسبة ليرى صديقي العزيز حبيبتي الجميلة التي أهيم بها حباً كما يعرف هو منذ البداية .. و وافق صديقي على إقتراحى على الفور بسعادة .. و ليته يا ربي ما وافق ! دخلت من باب الجامعة وهو ورائي .. كان موجوداً في مكان ما في الفراغ الأسود المنتشر حولي و كنت أعرف ذلك و أشعر بوجوده و إن كنت عاجزاً عن رؤيته لأنه كان مختفياً عن الأنظار .. و بمجرد أن صرنا داخل الجامعة حتى أخذ يضحك ضحكاته الطلقة المرحة و هو يتساءل كيف نتكدس كلنا داخل هذا ( الجب الضيق ) .. أي الجامعة طبعاً ! لم أعلق على أسئلته لأنه يقارن عالمنا بعالمه .. و عندما اقتربت من باب الكلية وجدتها واقفة في انتظاري .. إنها هي الحبيبة الغالية .. طبعاً كانت تتظاهر بأنها تنتظر إحدى زميلاتها إلا إن تظاهرها لم يخل على و تأكدت أنها لم تكن تنتظر أحداً سواي ! اقتربت منها ببطء متصنعاً الانشغال بكتبي التي في يدي ، و هي بدورها كانت تتشاغل بالنظر في الاتجاه الآخر لكيلا أدرك أنها كانت تنتظر رؤيتي .. كنا نلعب معاً لعبة المراهقة العزيزة هذه عندما سمعت شهقة عالية حارة صادرة من صديقي الملازم لي من الخلف .. كانت شهقة غريبة ملهوفة وكأنها شهقة ( غريق ) .. ألتفتت ورائي بدون وعي ؛ و قد اختفت الفتاة من أمامي فجأة ؛ و سألته بقلق : - " ماذا .. ماذا ؟! [COLOR="darkgreen"][فأجابني بصوت ملئ باللهفة :/COLOR] - " إنها هي .. هي .. تشبهها تماماً ! " لم أعرف ما يتحدث بالضبط فكررت سؤالي له فأعاد إجابته مؤكداً لي بأنها هي نفسها .. أو تشبهها لحد مذهل ! لم أدرك قصده بالضبط و كدت أعاود سؤاله مرة ثالثة لأستوضح ما يعني .. و لكنني عندما بحثت عنه أدركت أنه لم يعد موجوداً حولي في أي مكان و ظللت واقفاً مكاني بضعة دقائق أفكر في المكان الذي قد يكون قد أختفى فيه .. لحظتها أدركت أنه و لابد قد سبقني إلى قاعة المحاضرات ! دخلت إلى القاعة المزدحمة فوجدت المقعد الذي بجوارها خالياً ، لابد أنه قد حجزته خصيصاً من أجلى .. سررت لذلك و تناسيت تصرف صديقي الغريب و تظاهرت بالبحث عن مقعد فارغ بالقاعة قبل أن أهم بالجلوس بجوارها ، و عيناها تدعوني إلى ذلك بفارغ الصبر .. فقط عندما حاولت الجلوس على المقعد المجاور لها أدركت أن هناك من سبقني إلى الجلوس عليه .. و ساعتها أدركت على الفور من هو ! نهضت كالملدوغ و قد أصابني الذعر .. و رأيت الفتاة ترفع حاجبيها في دهشة بالغة عندما حدث ذلك ! .............................. في تلك الليلة جاءني على غرة وأنا مستلقي وسط ظلام الغرفة ! شعرت به يقترب منى ويجلس على طرف الفراش عند قدمي .. و لكنني لم أنهض و تبادلنا الحديث وأنا ما أزال مستلقياً في مكاني ! قال لي بصوته الذي عادت إليه رنة الفرح و الشقاوة : - " هل رأيتها ؟! إنها فاتنة .. فاتنة .. و الأكثر من ذلك أنها تشبه فتاتي تماماً .. لا بل إنها هي ! هل تعرف أن كل واحد من جنسكم له نظير أو قرين من جنسنا ؟! لابد أنها قرينة فتاتي .. أليس كذلك ؟! " تركته يتحدث كيف شاء ثم أجبته بجملة واحدة : - " رأيتها يا صديقي .. بل رأيتها قبلك ! " تجلى لي وسط الظلام لحظتها و أقترب منى و طبع قبلة على خدي بطريقته القديمة و قال لي متوسلاً : - " أنت لا تحبها .. أليس كذلك ؟! إنه مجرد إعجاب طفولي .. مراهقة متأخرة قليلاً .. أما أنا فقد قضيت عمري كله أحبها .. أنت ستتركها لي أليس كذلك .. أليس كذلك يا صديقي ؟! " شعرت بيد غليظة تكتم أنفاسي فوجدت نفسي عاجزاً عن النطق .. و لكنه لم يرحمني بل أخذ يردد كالمخبول : - " إن الله يحبني .. أعرف إن الله يحبني كثيراً .. لذلك فقد أعادها لي من رحم الموت ..أنتزعها من القبر و أعادها لي .. الآن يمكنني أن أخذها إلى أرضي و نتزوج هناك ونعيش حياتنا بسعادة .. هل تعلم إنه يمكننا الزواج من جنسكم .. و سيكون زواجاً سعيداً بلا شك .. نعم سيكون زواجنا سعيداً للغاية .. و ستشهد بنفسك على ذلك ! " أصابني الغم عندما نطق بهذه الكلمات و صعبت على نفسي جداً و لا أدرى لم .. و هكذا وجدت دموعي تسيل بغزارة دون إرادتي .. وجدت نفسي أبكى بكاءً طفولياً و وجدتن غير قادر على إيقاف ذلك ! |
||||||||||
![]() |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | الردود | آخر مشاركة |
بخصوص الرفيق | المحــــارب | قـسـم الاسـئـلـه و الاسـتـفـسـارات حـول الـلـعـبـة | 1 | 19-06-2012 04:15 PM |