حفظ بياناتي ؟

1/01/2023

22/05/2024_hema

22/05/2024_hema

END_shaher_08/02/2024

29_02_2023

ID:100_01_05_2024

END_tusk_04/01/2024

END_27/06/2024

END_02/12/2024

END 14/6/2024

ID:103_02/06/2024

ID:104_05/06/2024

ID:105_10/06/2024

ID:106_24/06/2024

END 27/06/2024

25/01/2022

QueenSro

ID:100_01_06_2024

END_tusk_04/01/2024

END_Ibrahim_Abde_05/05/2024

END 14/6/2024

END_27/06/2024

END ID:101_17/05/2024

END 19/06/2024

END 19/06/2024

END 22/08/2024

END 27/06/2024

END 02/07/2024

END 02/07/2024

 الـجـروب الـرسـمى لـلـمـنـتـدى FaceBook | Official Group 


شـريـط الاهـداءات


الانتقال للخلف   الموقع العربي الاول للعبة Silkroad Online > الـمـنـتـدى الـعـام > القـسـم الإسـلامـى الـعـام

القـسـم الإسـلامـى الـعـام [ قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم يهتم بثقافتنا الإسلامية فقط ] [ نرجوا عدم التطرق للأمور التي تضر الدين وعدم الافتاء بشي غير موثوق وعدم المساس بأى دين أخر ]

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-07-2009, 11:37 PM   #1

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



حلقات من السيره النبوية الشريفة ... هل تستحق المشاهدة والتثبيت







بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد عليه افضل الصلاة و السلام

برجاء عدم الرد قبل الانتهاء من الموضوع

أخواني الأعزاء في موضوعي هذا سوف اضع بين ايديكم سيرة المصطفى خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و سيكون ذلك على صورة حلقات متسلسه حتى يتسنى لكل شخص بالتعرف على السيره النبويه بشكل مبسط وممتع باذن الله تعالى... وارجوا من ادارة المنتدى بتثبيت موضوعي هذا حتى يسهل الوصول اليه لكل الأعضاء و الزوار ولنا ولكم الأجر و الثواب في ذلك باذن الله


الحلقه الأولى



سأبدأ اليوم بمشيئة الله تعالى بموضع اعتقد ان معلومات كثير منا فيه قليله و هو

النبوءات بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم



المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان
وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم، ويصفه أحد مزاميرها فيقول مخاطباً إياه باسم الملك:

" فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر: أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك، وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف، نُبُلُك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوبٌ تحتك يسقطون. كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك.... بنات ملوك بين حظياتك، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير اسمعي يا بنت وانظري، وأميلي أذنك، انسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له... عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض، أذكر اسمك في كل دور فدور. من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد " - المزمور 45/1 - 17

ويسلم النصارى بأن النص كان نبوءة بالنبي الآتي، ويزعمونه عيسى عليه السلام، فيما يرى المسلمون أن الصفات التي رمزت في النص إنما تعود إليه صلى الله عليه وسلم، وتمنع أن يكون المعني عيسى أو غيره من الأنبياء الكرام

ففي النص تسع أوصاف لهذا النبي، وهي


أولاً :
كونه صاحب حسن لا يعدل في البشر " بهي في الحسن أفضل من بني البشر " ولا يجوز للنصارى القول بأنه المسيح وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا، وفيها أن المتنبئ به "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه " (إشعيا 52/2)، وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه (1) أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: " إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً " وقال ترتليان: " أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي " ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً:" أبرع جمالاً من بني البشر. القول بأنه المسيح وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا، وفيها أن المتنبئ به "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه " (إشعيا 52/2)، وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه (1) أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: " إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً " وقال ترتليان: " أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي " ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً:" أبرع جمالاً من بني البشر.

وقد جاءت الآثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جماله بعد أن كساه الله بلباس النبوة، فلم ير أجمل منه. ففي صحيح البخاري (3549) يقول البراء بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنه خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير .


ثانياً :
أن النبوة وكلامها يخرج من شفتيه "انسكبت النعمة على شفتيك"، فقد كان أمياً، ووحيه غير مكتوب، فيما كانت لإبراهيم وموسى صحفاً، كما كان عيسى قارئاً - انظر لوقا 4/16

وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النبي القادم منها ما سبق في سفر التثنية " أجعل كلامي في فمه " - التثنية 18/18 وما جاء في إشعيا " أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، فيقال له:اقرأ، فيقول: لا أعرف الكتابة " - إشعيا 29/12 وفي غير الترجمة العربية المتداولة " لا أعرف القراءة " وهي تماثل – كما سبق - قول النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء: ما أنا بقارئ


ثالثاً :
كونه مبارك إلى الأبد، صاحب رسالة خالدة " باركك الله إلى الأبد.... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور


رابعاً :
كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لإقامة الحق والعدل " تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار... بجلالك اقتحم. من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف. نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون " والمسيح عليه السلام لم يحمل سيفاً ولا أسقط أعداءه، ولا صوب نبله في قلوب أعدائه لنشر دعوة الحق، كما لم يكن ملكاً في قومه


خامساً :
وهذا النبي محب للخير، مبغض للإثم كحال جميع الأنبياء، لكن الله فضله عليهم " مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك


سادساً :
يؤتى لهذا النبي بالهدايا لعزه، وبنات الملوك يكن في خدمته أو في نسائه " بنات ملوك بين حظياتك.. بنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية..." وقد تزوج النبي بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه، كما أهديت إليه مارية القبطية، وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تحت ابنه الحسين


سابعاً :
تدين له الأمم بالخضوع وتدخل الأمم في دينه بفرح وابتهاج " بملابس مطرزة وتحضر إلى الملك، في إثرها عذارى صاحباتها، مقدمات إليك، يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك


ثامناً :
يستبدل قومه بالعز بعد الذل " عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض

تاسعاً :
يكتب له الذكر الحميد سائر الدهر " أذكر اسمك دور فدور، من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد " فهو أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم



--------------------------------------------------------------------------------

لا يبعث الله نبياً إلا غاية في الحسن، فذلك أدعى لتصديقهم وعدم عيبهم بخلقهم، وقد وصف رسول الله عيسى عليه السلام خصوصاً بأنه كان غاية في الحسن، فقد رآه في رؤيا عند الكعبة " فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لـمّة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماءً …فسألت:من هذا؟ فقيل: هذا هو المسيح بن مريم " (رواه مسلم ح 169) (1)

لكن أعظم بشارات العهد الجديد بالنبي الخاتم هي نبوءات المسيح عن البارقليط

وينفرد يوحنا في إنجيله بذكر هذه البشارات المتوالية من المسيح بهذا النبي المنتظر، حيث يقول المسيح موصياً تلاميذه:

" إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منـزلاً الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني بهذا كلمتكم وأنا عندكم وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم …قلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء "-يوحنا 14/15–30

وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه، ثم يقول: " متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي في الابتداء قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا، سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله.... قد ملأ الحزن قلوبكم، لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم

ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" - يوحنا 15/26 - 16/14

وفي هذه النصوص يتحدث المسيح عن صفات الآتي بعده فمن هو هذا الآتي؟

البارقليط عند النصارى
يجيب النصارى بأن الآتي هو روح القدس الذي نزل على التلاميذ يوم الخمسين ليعزيهم في فقدهم للسيد المسيح، وهناك " صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " - أعمال 2/1 - 4

ولا تذكر أسفار العهد الجديد شيئاً - سوى ما سبق - عن هذا الذي حصل يوم الخمسين من قيامة المسيح. يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا: " البارقليط هو روح الله القدوس نفسه المعزي، البارقليط: المعزي " الروح القدس الذي يرسله الأب باسمي " - يوحنا 14/26، وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين - أعمال 2/1 - 4 فامتلأوا به وخرجوا للتبشير، وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين، وهو هبة ملازمة للإيمان والعماد

البارقليط عند المسلمين
ويعتقد المسلمون أن ما جاء في يوحنا عن المعزي، إنما هو بشارة المسيح بنبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يظهر من أمور
منها لفظة " المعزي " لفظة حديثة استبدلتها التراجم الجديدة للعهد الجديد، فيما كانت التراجم العربية القديمة (1820م، 1831م، 1844م) تضع الكلمة اليونانية (البارقليط) كما هي، وهو ما تصنعه كثير من التراجم العالمية

وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول: إن هذا اللفظ اليوناني الأصل، لا يخلو من أحد حالين
الأول أنه "باراكلي توس". فيكون بمعنى: المعزي والمعين والوكيل
والثاني أنه " بيروكلوتوس "، فيكون قريباً من معنى: محمد وأحمد

ويقول أسقف بني سويف الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليلاً يصير "بيركليت"، ومعناه: الحمد أو الشكر، وهو قريب من لفظ أحمد

ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة- عن معنى كلمة " بيركلوتس " فيقول: " الذي له حمد كثير

ومما يؤكد خطأ الترجمة أن اللفظة اليونانية (بيركلوتس ) اسم لا صفة، فقد كان من عادة اليونان زيادة السين في آخر الأسماء، وهو ما لا يصنعونه في الصفات

ويرى عبد الأحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح، فإن كلمة بارقليط اليونانية لا تفيد أياً من هذه المعاني، فالمعزي في اليونانية يدعى (باركالوف أو باريجوريس)، والمحامي تعريب للفظة (سانجرس)، وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا "، وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف. يقول الدكتور سميسون كما في كتاب "الروح القدس أو قوة في الأعالي": "الاسم المعزي ليس ترجمة دقيقة جداً"

ومما سبق يتضح أن ثمة خلافاً بين المسلمين والنصارى في الأصل اليوناني لكلمة " بارقليط " حيث يعتقد المسلمون أن أصلها " بيركلوتوس " وأن ثمة تحريفاً قام به النصارى لإخفاء دلالة الكلمة على اسم النبي أحمد: الذي له حمد كثير

ومثل هذا التحريف لا يستغرب وقوعه في كتب القوم، ففيها من الطوام مما يجعل تحريف كلمة " البيرقليط " من السهل الهين

كما أن وقوع التصحيف والتغير في الأسماء كثير عند الترجمة بين اللغات وفي الطبعات، فاسم "بارباس" في الترجمة البروتستانتية هو في نسخة الكاثوليك "بارابا" وكذا (المسيا، ماشيح) و(شيلون، شيلوه) وسوى ذلك، وكلمة "البارقليط" مترجمة عن السريانية لغة المسيح الأصلية فلا يبعد أن يقع مثل هذا التحوير حين الترجمة

ولجلاء التحريف في هذه الفقرة فإن أدوين جونس في كتابه " نشأة الديانة المسيحية " يعترف بأن معنى البارقليط: محمد، لكنه يطمس اعترافه بكذبة لا تنطلي على أهل العلم والتحقيق، فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلاً منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين

البارقليط بشر نبي، وليس روح القدس
وأياً كان المعنى للبارقليط: أحمد أو المعزي فإن الأوصاف والمقدمات التي ذكرها المسيح للبارقليط تمنع أن يكون المقصود به روح القدس، وتؤكد أنه كائن بشري يعطيه الله النبوة. وذلك واضح من خلال التأمل في نصوص يوحنا عن البارقليط

فإن يوحنا استعمل في حديثه عن البارقليط أفعالاً حسية (الكلام، والسمع، والتوبيخ) في قوله: " كل ما يسمع يتكلم به " وهذه الصفات لا تنطبق على الألسنة النارية التي هبت على التلاميذ يوم الخمسين، إذ لم ينقل أن الألسنة تكلمت يومذاك بشيء، والروح غاية ما يصنعه الإلهام القلبي، وأما الكلام فهو صفة بشرية، لا روحية
وقد فهم أوائل النصارى قول يوحنا بأنه بشارة بكائن بشري، وادعى مونتنوس في القرن الثاني (187م) أنه البارقليط القادم، ومثله صنع ماني في القرن الرابع فادعى أنه البارقليط، وتشبه بالمسيح فاختار اثنا عشر تلميذاً وسبعون أسقفاً أرسلهم إلى بلاد المشرق، ولو كان فهمهم للبارقليط أنه الأقنوم الثالث لما تجرؤوا على هذه الدعوى



ومن صفات الآتي أنه يجيء بعد ذهاب المسيح من الدنيا، فالمسيح وذلك الرسول المعزي لا يجتمعان في الدنيا، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن المعزى لا يمكن أن يكون الروح القدس الذي أيد المسيح طيلة حياته، بينما المعزي لا يأتي الدنيا والمسيح فيها " إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي
وروح القدس سابق في الوجود على المسيح، وموجود في التلاميذ من قبل ذهاب المسيح، فقد كان شاهداً عند خلق السماوات والأرض (انظر التكوين 1/2) كما كان له دور في ولادة عيسى حيث أن أمه " وجدت حبلى من الروح القدس " - متى 1/18

كما اجتمعا سوياً يوم تعميد المسيح، حين "نـزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا 3/22) فالروح القدس موجود مع المسيح وقبله، وأما المعزي " إن لم أنطلق لا يأتيكم " فهو ليس الروح القدس



ومما يدل على بشرية الروح القدس أنه من نفس نوع المسيح، والمسيح كان بشراً، وهو يقول عنه: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر"، وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة allon وهي تستخدم للدلالة على الآخر من نفس النوع، فيما تستخدم كلمة hetenos للدلالة على آخر من نوع مغاير. وإذا قلنا إن المقصود من ذلك رسول آخر أصبح كلامنا معقولاً، ونفتقد هذه المعقولية إذا قلنا: إن المقصود هو روح القدس الآخر، لأن روح القدس واحد وغير متعدد


ثم إن الآتي عرضة للتكذيب من قبل اليهود والتلاميذ، لذا فإن المسيح يكثر من الوصية بالإيمان به وأتباعه، فيقول لهم: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي "، ويقول: " قلت لكم قبل أن يكون، حتى إذا كان تؤمنوا " ويؤكد على صدقه فيقول: " لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به
فكل هذه الوصاة لا معنى لها إن كان الآتي هو الروح القدس، حيث نزل على شكل ألسنة نارية، فكان أثرها في نفوسهم معرفتهم للغات مختلفة، فمثل هذا لا يحتاج إلى وصية للإيمان به والتأكيد على صدقه



كما أن الروح القدس أحد أطراف الثالوث، وينبغي وفق عقيدة النصارى أن يكون التلاميذ مؤمنين به، فلم أوصاهم بالإيمان به؟


وروح القدس وفق كلام النصارى إله مساو للآب في ألوهيته، وعليه فهو يقدر أن يتكلم من عند نفسه، وروح الحق الآتي " لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به


ودل نص يوحنا على تأخر زمن إتيان البارقليط، فقد قال المسيح لهم: " إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق "، فثمة أمور يخبر بها هذا النبي لا يستطيع التلاميذ إدراكها، لأن البشرية لم تصل لحالة الرشد في فهم هذا الدين الكامل الذي يشمل مناحي الحياة المختلفة، ومن غير المعقول أن تكون إدراكات التلاميذ قد اختلفت خلال عشرة أيام من صعود المسيح إلى السماء، وليس في النصوص ما يدل على مثل هذا التغيير
بل إن النصارى ينقلون عنهم أنهم بعد نزول الروح عليهم قد أسقطوا كثيراً من أحكام الشريعة وأحلوا المحرمات، فسقوط الأحكام عندهم أهون من زيادةٍ ما كان يحتملونها ويطيقونها زمن المسيح. فالبارقليط يأتي بشريعة ذات أحكام تثقل على المكلفين الضعفاء، كما قال الله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً - سورة المزمل آية 5



كما أن المسيح أخبر أنه قبل أن يأتي البارقليط " سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله"، وهذا الأمر إنما حصل بعد الخمسين، واستمر الاضطهاد بأتباع المسيح حتى ندر الموحدون قبيل ظهور الإسلام


وذكر يوحنا أن المسيح خبّر تلاميذه بأوصاف البارقليط، والتي لم تتمثل بالروح القدس الحال على التلاميذ يوم الخمسين، فهو شاهد تنضاف شهادته إلى شهادة التلاميذ في المسيح " فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً " فأين شهد الروح القدس للمسيح؟ وبم شهد؟
بينا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح بالبراءة من الكفر وادعاء الألوهية والبنوة لله، كما شهد ببراءة أمه مما رماها به اليهود الله وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً - سورة النساء آية 156



وأخبر المسيح عن تمجيد الآتي له، فقال: "ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" ولم يمجد المسـيح أحد ظـهر بعده كما مجده نبي الإسلام ، فقد أثنى عليه وبين فضله على سائر العالمين
هذا ولم ينقل لنا أي من أسفار العهد الجديد أن روح القدس أثنى على المسيح أو مجده يوم الخمسين، حين نزل على شكل ألسنة نارية



وأخبر المسيح أن البارقليط يمكث إلى الأبد، أي دينه وشريعته، بينا نجد أن ما أعطيه التلاميذ من قدرات يوم الخمسين - إن صح - اختفت بوفاتهم، ولم ينقل مثله عن رجالات الكنيسة بعدهم وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فيمكث إلى الأبد بهديه ورسالته، وإذ لا نبي بعده ولا رسالة


كما أن البارقليط " يذكركم بكل ما قلته لكم " وليس من حاجة بعد رفعه بعشرة أيام إلى مثل هذا التذكير، ولم ينقل العهد الجديد أن روح القدس ذكرهم بشيء، بل إنا نجد كتاباتهم ورسائلهم فيها ما يدل على تقادم الزمن ونسيان الكاتب لبعض التفاصيل التي يذكرها غيره، بينما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما غفلت عنه البشرية من أوامر الله التي أنزلها على أنبيائه ومنهم المسيح عليه السلام


والبارقليط له مهمات لم يقم بها الروح القدس يوم الخمسين فهو " متى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة " ولم يوبخ الروح القدس أحداً يوم الخمسين، بل هذا هو صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البشرية الكافرة


ويرى عبد الأحد داود أن التوبيخ على البر قد فسره المسيح بقوله بعده: " وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني " ومعناه أنه سيوبخ القائلين بصلبه المنكرين لنجاته من كيد أعدائه، وقد أخبرهم أنه سيطلبونه ولن يجدوه، لأنه سيصعد إلى السماء، " يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن....." - يوحنا 13/32 كما سيوبخ النبي الآتي الشيطان ويدينه بما يبثه من هدي ووحي "وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين

وصفة التوبيخ لا تناسب من سمي بالمعزي، وقيل بأنه جاء إلى التلاميذ يعزيهم بفقد سيدهم ونبيهم. فالعزاء إنما يكون في المصائب، والمسيح كان يبشرهم بذهابه ومجيء الآتي بعد

ثم إن العزاء إنما يكون حين المصيبة وبعدها بقليل، وليس بعد عشرة أيام (موعد نزول الروح القدس على التلاميذ) ثم لماذا لم يقدم المعزي القادم العزاء لأم المسيح، فقد كانت أولى به

ثم لا يجوز للنصارى أن يعتبروا قتل المسيح على الصليب مصيبة، إذ هو برأيهم سبب الخلاص والسعادة الأبدية للبشرية، فوقوعه فرحة ما بعدها فرحة، وإصرار النصارى على أن التلاميذ احتاجوا لعزاء الروح القدس يبطل عقيدة الفداء والخلاص.

ومن استعراض ما سبق ثبت بأن روح القدس ليس هو البارقليط، فكل صفات البارقليط صفات لنبي يأتي بعد عيسى، وهو النبي الذي بشر به موسى عليه السلام، فالبارقليط " لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به " وكذا الذي بشر به موسى " أجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به "، وهو وصف النبي صلى الله عليه و سلم كما قال الله :"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى" (سورة النجم آيات من 3 إلى 5 )

بل كل ما ذكر عن البارقليط له شواهد في القرآن والسنة تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب هذه النبوءة، إذ هو الشاهد للمسيح، وهو المخبر بالغيوب، الذي لا نبي بعده، وقد ارتضى الله دينه إلى قيام الساعة ديناً



مقتطفات من كتاب هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟
كتبه د. منقذ بن محمود السقار

محمد عليه الصلاة والسلام في نبوءات أشعياء


يكاد سفر أشعياء أن يكون في مجموعه – فيما خلا بعض روايات الأحداث – مجموعة من النبوءات، منها ما يرى فيه أهل الكتاب من يهود ونصارى إنه تنبؤ بميلاد المسيح عليه السلام وهو قوله: "ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، زبدا وعسلا يأكل متي عرف أن يرفض الشر ويختار الخير"

أشعياء:الإصحاح السابع: 14و15

وقد كان إيمان من آمن بالمسيح عليه السلام من اليهود اقتناعا منهم بأنه النبي الذى تنبأ بمولده أشعياء في هذا النص من سفره، لكونه ولد من عذراء ولما تحقق علي يديه بإذن الله من المعجزات التي أخبر عنها أشعياء، وكان كفران سائر اليهود دعوته وإنكارهم أنه المسيح الذى تنبأ به أشعياء مستندا – في قولهم إلي عدم ظهور "إيليا" – وهو علامة على مجيئه – قبل بعثته،وهو ما أنكره عليهم المسيح عليه السلام مخبرا أنه يوحنا المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلام"، فقد جاء في إنجيل لوقا : " كانت كلمة الله علي يوحنا المعمدان " يحيي بن زكريا عليه السلام" ، فقد جاء في إنجيل لوقا : " كانت كلمة الله علي يوحنا بن زكريا في البرية فجاء إلي جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، كما هو مكتوب في سفر أقوال أشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة" - لوقا: الإصحاح الثالث : من 2 إلي 4



وقد ورد في سفر أشعياء العديد من النبوءات التي تبشر بمولد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وببعثه رسولا يهدى للحق وللدين الذى بعث به، نجيزئ منها الآتي:

النبوءة الأولى :
جاء فى سفر أشعياء قولة: " لأنه هكذا قال لي السيد، اذهب أقم الحارس ليخبر بما يرى، فرأى أزواج ركاب فرسان، ركاب حمير، فأصغى إصغاء شديداً، ثم صرخ كأسد أيها السيد أنا قائم علي المرصد دائماً في النهار وأنا واقف علي المحرس كل الليالي، وهو ذا ركاب من الرجال أزواج من الفرسان، فأجاب وقال سقطت، سقطت بابل وجميع تماثيل آلهتها المنحوته كسرها إلى الأرض" (أشعياء الإصحاح الحادى والعشرون: من 6إلي 9).

وفي هذا القول تنبؤ ببعثة نبيين رسولين أحدهما يدخل مدينته راكبا حمارا، والآخر يدخلها علي جمل، وقد دخل المسيح عليه السلام أورشليم على حمار: " حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلا لهما اذهبا الي القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشا معها فحلاهما وائتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئا فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما ، فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعا راكباً علي أتان وجحش ابن أتان" (إنجيل متي : الإصحاح الحادي والعشرون : من 1 إلي 5)، كذلك فقد دخل محمد عليه الصلاة والسلام يثرب علي ناقته القصواء" وبدعوته تحطمت الأصنام والتماثيل التي كانت تعبد من دون الله. فيكون الرسولان اللذان تنبأ أشعياء بهما هما المسيح عيسي ابن مريم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.


النبوءة الثانية :
وجاء في سفر أشعياء قوله: " في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان ياسكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيف قد هربوا، من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب، فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفني كل مجد قيدار، وبقية عدد قسى أبطال بني قيدار تقل لأن الرب إله إسرائيل قد تكم " (أشعياء: الإصحاح الحادي والعشرون: من 13 إلي 17).

وما جاء في هذا القول هو تنبؤ بهجرة رســول الله صلى الله عليه و سلم من مكـة إلي المدينة المنورة، فالدادنييون الذين ورد ذكرهم في النص هم المنتسبون إلي دادان وهو أحد أجداد قريش من نسل إسماعيل عليه السلام، والوعر من بلاد العرب هو الطريق الذى بين مكة والمدينة المنورة، والأمر الصادر في النبوءة إلي أهل يثرب (المدينة المنورة) بمقابل المهاجرين بالطعام والشراب وبالإحسان إليهم قد تحقق بالفعل بما كان من أهل يثرب للمهاجرين.

كذلك وصف أشعياء المهاجرين – في نبوءته – بأنهم قد غادروا أرضهم فرارا بدينهم وبعقيدتهم وأنفسهم هربا من ظلم أعدائمهم، وتضمنت النبوءة وعدا بانتصار أتباع هذا النبي المتنبأ به وفناء المجد الظالم الذى كان يظل أبناء قيدار وهو كفار قريش المنحدرون من قيدار بن بنايوت بن إسماعيل عليه السلام. كما تضمنت إخبارا عن نقصان عدد فرسان الكفار بعد سنة من الهجرة أو أكثر من سنة، وذلك لتشبيه هذه السنة بسنه الأجير التي يشعر بطولها لما يناله خلالها من مشقة.وقد تحقق هذا إذ قل عدد فرسان كفار مكة وأبطالهم بعد أن آمن كثير منهم برسول الله صلى الله عليه و سلم وبعد أن قتل إله بني إسرائيل فتعليله إنه في الوقت الذى تنبأ فيه أشعياء بأمر هذا النبي لم يكن غير شريعة موسي عليه السلام شريعة الله، وكان الإله الواحد الحق هو إله بني إسرائيل أما غيرهم ممن لم يؤمنوا بشريعة موسي عليه السلام فقد كانوا يعبدون آلهة آخرى مثل بعل زبول والأصنام والتماثيل، فجاء بيان أن هذا القول هو قول الله سبحانه وتعالي.


النبوءة الثالثة:
وجاء في سفر أشعياء: " أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك يدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم، تتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين ف الظلمة. أنا الرب هذا اسمي ومجدى لاأعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات... هو ذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها، قبل أن تنبت أنا أعلمكم بها. غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصي الأرض، أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها، لترفع البريه ومدنها صــوتها الديار التي سكــن فيها قيدار. لتترنم سكــان سـالع. من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر، الرب كالجبار يخرج، كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ ويقوى علي أعدائه.... يخزي خزيا المتكلمون علي المنحــوتات، القائلون للمســبوكات أنت آلهتنا" (أشـعياء: الإصحاح الثاني والأربعون : من 6 إلي 17).

وهذا القول يتضمن الإخبار بنبوءتين متتاليتين، إحداهما هي الأقرب تحققا في الزمان من تاريخ الإبلاغ وقد شملتها الآيات من 6 إلي8، وهي النبوءة الخاصة بالمسيح عليه السلام دعاه الله بالبر وحفظه وجعله عهدا للشعب أى لبني إسرائيل، وهو مايعني وصف المسيح عليه السلام دعوته – في البداية – بأنها لهداية بني إسرائيل ثم إن الله جعله نورا للأمم، وفي ذلك إشارة إلي قيام المسيح عليه السلام بتوجيه تلاميذه قبل رفعه ليبشروا الأمم برسالته علي ما جاء في الإنجيل " وقال لهم اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس الإصحاح السادس عشر: 15).

وبعد ذلك يعلن أشعياء صراحة أن ما أخبر عنه آنفا هو الأسبق تحققا في عمر الزمان وأنه سيتبعه ما هم مخبر عنه " هو ذا الأوليات قد أتت، والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت أعلمكم بها". أما هذا الذى يخبر به متنبئا فهو مجئ تسبيحه جديدة يرتفع بها الصوت من أرض قيدار. وإذا علمنا أن قيدار هو ابن بنايوت إبن إسماعيل عليه السلام وأن أرضه هي مكة المكرمة وأن التسبيحة الجديدة التي ترتفع بها الأصوات هي الأذان يعلن به عن مواعيد الصلاة

إذا علمنا هذا فإنه يتأكد لنا أن النبوءة إنما تتعلق برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا أضفنا إلي ذلك ما ذكره أشعياء بشأن الهتاف باسم الله وبتمجيدة من فوق رؤوس الجبال وهذا وصف لتهليل المسلمين وتكبيرهم في الحج لدى الوقوف بجبل عرفات، فإنه يكون محققا لدينا أن الدين الذى بشر به أشعياء هو الإسلام وأن النبي المبشر به في النبوءة هو محمد عليه الصلاة والسلام الذى وصفه أشعياء بأنه رجل حرب يقوى علي أعدائه، وقد كان هذا هو حال المصطفي عليه الصلاة والسلام الذى تم به القضاء علي عبادة الأصنام في أرض رسالته كما جاء في النبوءة.


النبوءة الرابعة :
وجاء في ذات السفر: " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدى بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب، أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك. لاتمسكي، أطيعي أطنابك وشددى أوتادك، لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار، ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة. لا تخافي لأنك لاتستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد لأن بعلك هو صانعك رب الجنود أسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يدعو .. أيتها الذلية المضطربة غير المتعزية هأنذار أبني بالإثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكلي بيتك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرا. بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الأرتعاب فلا يدنومنك . ها إنهم يجمتعون اجتماعا ليس من عندى، من اجتمع عليك فإليك يسقط. ها أنذا قد خلقت الحداد الذى ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله وأنا خلقت المهلك ليخرب. كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه. هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب" (أشعياء الإصحاح الرابع والحمسون:من 1 إلي 17).


إننا نعلم أن الأنبياء يتكلمون فى نبوءاتهم بالرمز والمثال فإذا ماتدبرنا هذا القول وعلمنا أحوال البلاد والعباد من قبل زمان هذه النبوءة إلى اليوم فإننا ندرك الآتي:

(1) أن العاقر التي لم تلد – المذكورة فى النبوءة – هي مكة المكرمة، وصفت بأنها عاقر لأنها لم تخرج من بعد إسماعيل عليه السلام الذى جاءها طفلا مع أمه هاجر دون أن يكون قد نبت بها إلي زمان النبوءة أنبياء، وإسماعيل عليه السلام هو ابن المستوحشة التي هجرها زوجها، ونسله هم العرب العدنانيون فهم – في النبوءة – أبناء المستوحشة الذين ذكرتهم النبوءة بأنهم يصيرون أكثر من بني "ذات البعل" وهي سارة التي بقي معها إبراهيم عليه السلام، ومن أبنائها بنو إسرائيل، والمعني إن وصف مكة بالعاقر قد جاء في مقارنة مستترة بالقدس أو أورشليم التي أنجبت الأنبياء. وقد بشرت النبوءة مكة أو العاقر بأنها تمتد يمنا وشمالا وبأن أبناءها سيرثون أمما ويعمرون مدنا خربة، وذلك فى بشارة بانتشار الدين الذى تبدأ دعوته في مكة لتنتشر في أنحاء العالم فتعمر به النفوس الخربة بجهالة الكفر والشـرك، وفـي النبوءة طلب من مكة أن تسبح الله وتحمده علي ما أولاها من نعمة كونها أم المبعوث رحمة للعاملين.

(2) أن القول – في النبوءة – إن بعل العاقر هو صانعها رب الجنود اسمه، وإنه يدعي من بعد إله كل الأرض، إنما يعني أن راعي مكة هو خالقها الله الذى كان اليهود يسمونه "رب الجنود" في تمييز بينه وبين ماتعبد سائر الشعوب من آلهة، كذلك فإن قول النبوءة إنه سيدعي " إله كل الأرض" يتضمن الإشارة إلي عالمية الدعوة للدين الذى يظهر نبيه من مكة فلا يعود الرب إله بني إسرائيل وحدهم وإنما إله جميع المعبود في جميع أنحاء الكون.

(3) تشير النبوءة إلي الكعبة المشرفة وإلي إعادة بنائها وإلي قدوم المؤمنين بالدين الذى يظهر نبيه في مكة في كثرة إليها، والذين تصفهم النبوءة بأنهم أبناء الرب. وهذا هو حال حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين وزائرى البيت، كما تشير النبوءة إلي ما سيكون عليه حال مكة من تحريم دخولها علي الكفار والمشركين.

(4) تطمئن النبوءة مكة والكعبة المسجد الحرام بحماية الله، وبأنه سيكون اجتماع القوة المادية عليها فيسقط من اجتمعوا عليها، وذلك ما كان – من بعد – من أمر أبرهة وجيشه حين أراد هدم الكعبة، وبأنه سيكون هناك محاجاة بالقول وهجــوم علي الدين الذى يبعــث نبيه من مكة بالكتابة وبالمشافهة وبوسائل الإعلام المختلفة، وسـيكون النصر لدين الله الذى يتمســك به المؤمنون، وذلك علي ما يبين من قول النبوءة " كل آلهة صــورت ضـدك لا تنجح وكل لســان يقوم عليك في القضــاء تحكمين عليه. هذا هــو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب".

النبوءة الخامسة :
وجاء أيضا في سفر أشعياء: " قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم ، أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يري، فتسير الامم في نورك والملوك في ضياء إشراقك. أرفعي عينيك حواليك وانظري قد اجتمعوا كلهم، جاءوا إليك، يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك علي الأيدى. حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غني الأمم، تغطيك كثرة الجمال بكران مديان وعيفة كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب، كل غنم قيدار تجتمع إليك، كباش بنايوت تخدمك، تصعد مقبولة علي مذبحي وأزين بين جمالي . من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها، إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأون لتأتي ببنيك من بعيد وفضتهم وذهبهم معهم لأسم الرب إلهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك " (أشعياء : الإصحاح الستون: من 1إلي9).

وسبحان الله العظيم ليس هناك وصف أدق وأوضح لحال مكة المكرمة والكعبة المشرفة وقت أداء المسلمين فريضة الحج من هذا الوصف الذى ذكره أشعياء عام واحد وسبعمائه قبل الميلاد، وهو وصف لحالها منذ أظهر الله دينه إلي اليوم وإلي آخر الزمان. فبينما يخيم ظلام الشرك والفكر المادى علي دول العالم فيكون ظلم القوى منها ضعيفها – وليس مثل الظلام ظلام – بينما يكون هذا هو حال العالم يكون الأمر علي خلافه في مكة المكرمة عند بيت الله الحرام وقت الحج، حيث يلبي المؤمنون الدعوة بالحج فيملأ أركانها النور- وليس مثل نور الإيمان – يمجدون الله، ومنهم الملوك والرؤساء يتساوون ورعاياهم لايستنيرون إلا بنور الله وبنور الإيمان –

ثم يصف أشعياء حال الحجيج فيقول إنهم قد أتوا من أماكن بعيدة، وهم من الكعبة المشرفه بيت الله بمنزلة الابن من أمه – علي ما جري عليه وصف المؤمنين في العهد القديم بأنهم أبناء الله – فيكون لمكة المكرمة – مهد الرسالة – أن تفرح بقدوم الحجيج من أقاصي الأرض معهم الأموال والبضائع فيكون في الحج أداء الفريضة وتمجيد الله كما يكون فيه تحقيق المصالح المادية والمالية " كلها تأتي من شبا تحمل ذهبا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب " وهو ما صدق به في القرآن العظيم في قوله تعالي : وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ {27} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ - سورة الحج آيتا 27و 28

ويقطع بأن نبوءة أشعياء تعلقت بحال مكة المكرمة وقت الحج وصفه ما يكون من إحضار أغنام قيدار – وهو علي ما علمنا حفيد إسماعيل عليه السلام جد العرب العدنانيين- وكذا ما يكون من التضحية بكباش بنايوت – وهو علي ما علمنا ابن إسماعيل عليه السلام – وقد ذكرت نبوءة أشعياء أن هذه الكباش وتلك الأغنام تصعد مقبولة إلي مذبح الرب، وذلك في تعبير عن نحر الأضاحي في الحج من بعد الصلاة.

وعلي هذا فإن النبوءة تعلن أن مسرح هذه الأحداث هو أرض أبناء بنايوت وأبناء قيدار من جزيرة العرب وليس أرضا غيرها، ثم إن النبوءة تبلغ ذورة الدقة عندما تصف كيفية حضور الحجيج من جميع أنحاء العالم قريبها وبعيدها إلي الأراضي المقدسة لآداء فريضة الحج، فتقول إن منهم من يأتي طائرا- وجاء هذا القول في وقت لم يكن فيه أحد يتخيل أنه ستكون هناك طائرات تستخدم في التنقل – وأن منهم من يأتي بطريق البحر، ومنهم من يأتي بطريق البر راكباً أو راجلا " من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها، إن الجزائر تنتظرني، وسفن ترشيش في الأول لتأتي ببنيك من بعيد" ثم توضح النبوءة أن حجاج بيت الله الحرام قد أنفقوا الأموال من أجل أداء فريضة الله الذى أكرم مكة بظهور رسوله عليه الصلاة والسلام منها وعظم بيته، وهو الله الحق الذى بارك إسرائيل (يعقوب) عليه السلام من قبل.

محمد عليه الصلاة والسلام في نبوءة حبقوق :
جاء في سفر حبقوق: " الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، جلاله غطي السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه" (حبقوق : الإصحاح الثالث : 3).

وهذه النبوءة تذكر واقع نزول الشريعة اليهودية علي موسي عليه السلام في سيناء (أرض تيمان) وتعـلم بنزول القــرآن علي رســول الله صلى الله عليه و سلم في مكة -وهي برية فاران – وأنه بظهور دين الحق الذى ينبلج نوره من مكة المكرمة تتحقق عبادة الله وتمتلئ الأرض بالتسبيح له.


المراجع

الإسلام في صحف الأولين و كتب المرسلين - للدكتور : محمد محمود سعيد



ونستكمل بمشيئة الله مع...
من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الأرض المباركة؟
موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله
هل الاصطفاء في بني إسرائيل فقط؟
بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون


يتبع


توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


إعلانات google

قديم 27-07-2009, 11:46 PM   #2

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



افتراضي






الحلقة الثانية





سنستكمل الموضوع السابق وهوالنبوءات بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم



من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الأرض المباركة؟

تتحدث التوراة عن قصة أمر الله إبراهيم بذبح ابنه الوحيد، وبدلاً من أن تسميه إسماعيل فإنها سمته إسحاق، وطبقاً لهذا التغيير تغير الزمان والمكان الذي جرت به القصة

ومما جاء في القصة التوراتية " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا... فلما أتيا الموضع.... لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئاً، لأني الله علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني.... فدعا إبراهيم ذلك الموضع: "يهوه يراه" حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يرى... يقول الرب: إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة...... " - التكوين 22/1 - 18

وفيما تقدم عدة بشارات تبشر بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى يد التحريف والعنصرية تحاول طمس هذه البشارات فمن التحريف البين إدراج اسم إسحاق الذي لم يكن وحيداً لإبراهيم قط، وقد تكرر وصف الذبيح بالوحيد ثلاث مرات، وقد رأينا أن إسماعيل كان و-حيداً لإبراهيم أربع عشرة سنة

والبكورية لإسماعيل محفوظة وإن كان ابن هاجر -مولاة سارة- التي اتخذها زوجة فيما بعد، فمنزلة الأم لا تؤثر في بكورية الابن ولا منزلته، وقد جاء في التوراة: " إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة، والأخرى مكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر بل يعرف ابن المكروهة بكراً ليعطيه نصيب اثنين في كل ما يوجد عنده، لأنه هو أول قدرته له حق البكورية " - التثنية 21/15 - 17

ومما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبركة والذرية منه قبل ولادته، وأنه سيكون كعدد نجوم السماء - انظر التكوين 17/21 فالأمر بذبحه لا ابتلاء فيه، لأنه يعلم أنه سيكون لهذا الابن نسل مبارك

وهو ما صرح به المسيح حسب إنجيل برنابا الذي نذكر الاستشهاد به استئناساً فقط فقد قال له التلاميذ: يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى: إن العهد صنع بإسحاق؟


أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم: إنكم إذا أكملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا.. كيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين - برنابا 44/1 - 11، وفي التوراة المتداولة أن بينهما أربعة عشرة سنة - انظر التكوين 16/16، 21/5 الحق أقول لكم: إنكم إذا أكملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا.. كيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين - برنابا 44/1 - 11، وفي التوراة المتداولة أن بينهما أربعة عشرة سنة - انظر التكوين 16/16، 21/5

ومن ذلك كله فالذبيح هو إسماعيل، وجبل الرب في الأرض التي عاش فيها، والبركة لإبراهيم في ذريته محفوظة له بعد أن قام بالاستسلام لأمر الله وهمّ بذبح ابنه الوحيد

فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح، وحرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية " الأرض المرشدة ". فيما سمته التوراة العبرانية " المريا "، ولعله تحريف لكلمة " المروة "، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة اليوم، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل

وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع "جبل الله "، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً فقال السامريون: هو جبل جرزيم وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون

والحق أن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران، واختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله

وبقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد استمر في حياة المسيح، وذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل، " قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" - يوحنا 4/19-24

فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة

وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين" ولكن تأتي ساعة وهي الآن"، يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى: " أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء" - متى 26/64، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء
ومثله قول المسيح: "وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" - يوحنا 1/51


وقد قال ميخا النبي عن مكة والبيت الحرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات: " يكون في آخر الأيام بيت الرب مبنياً على قلل الجبال، وفي أرفع رؤوس العوالي يأتين جميع الأمم، ويقولون: تعالوا نطلع إلى جبل الرب" - ميخا 4/1-2

كما رمز النبي إشعيا لمكة في نص آخر بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعزفقال: " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب:أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد

قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي"-إشعيا 54/1-17

في النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.

وقوله: "لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل"، يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من زوار أورشليم التي يسميها ذات البعل، ولفظة بنو المستوحشة يراد منها ذرية إسماعيل، الذي وصفته التوراة – كما سبق- بأنه وحشي " وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه: إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنساناً وحشياً، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه" - التكوين 16/11 - 12

كما تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها (بكة) فجاء فيها:"طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء في الترجمة الإنجليزية
"through the valley of Ba'ca make it a well"

فذكر أن اسمها بكة، وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف كما أسلفنا يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار " - المزامير 84/4-10

والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك كالتالي: "يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون" - 83/7-8

وهذا الاسم العظيم (بكة) هو اسم بلد محمد صلى الله عليه وسلم، الاسم الذي استخدمه القرآن للبلد الحرام إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ - سورة آل عمران آية 96


موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله

وينـزل موسى عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه فيقول مخاطباً بني إسرائيل: " قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه " - التثنية 18 / 17 - 22 والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكونتكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه " - التثنية 18 / 17 - 22 والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون

ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام، فقد قال بطرس في سياق حديثه عن المسيح " فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به، ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب، وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام " (أعمال 3/22 - 26) فبطرس يرى نبوءة موسى متحققة في شخص المسيح

لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى الله عليه وسلم. إذ يذكر النص التوراتي أوصاف هذا المبعوث المبشر به


أولاً : أنه نبي " أقيم لهم نبياً "، والنصارى يدعون للمسيح الإلهية، بل يدعي الأرثوذكس أنه الله نفسه، فكيف يقول لهم: أقيم نبياً، ولا يقول: أقيم نفسي

ثانياً : أنه من غير بني إسرائيل، بل هو من بين إخوتهم أي أبناء عمومتهم "من وسط إخوتهم"، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق، وبنو إسماعيل بن إبراهيم

ومن المعهود في التوراة إطلاق لفظ " الأخ " على ابن العم، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: " أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو " (التثنية 2/4) وبنو عيسو بن إسحاق – كما سلف - هم أبناء عمومة لبني إسرائيل، وجاء نحوه في وصف أدوم، وهو من ذرية عيسو "وأرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم، هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا (العدد20/14)، فسماه أخاً، وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل

وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقاً للبركة الموعودة في نسل إسماعيل، وقد يكون من بني عيسو بكر إسحاق لكن أحداً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر


ثالثاً : هذا النبي من خصائصه أنه مثل لموسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبي مثله-ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه-التثنية:34/10 وفي التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام مثل هذا النبي فقد جاء فيها: " ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله" - التثنية 34/10

وهذه الخصلة، أي المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله عليه وسلم، ممتنعة في المسيح، حيث نرى الكثير من أمثلة التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا نجدها في المسيح، من ذلك ميلادهما الطبيعي، وزواجهما، وكونهما صاحبا شريعة، وكل منهما بعث بالسيف على عدوه، وكلاهما قاد أمته، وملك عليها، وكلاهما بشر، بينما تزعم النصارى بأن المسيح إله، وهذا ينقض كل مثل لو كان

وقد وصف المسيحُ النبي القادم بمثلية موسى، صارفاً إياه عن نفسه فقال: " لا تظنوا إني أشكوكم إلى الآب، يوجد الذي يشكوكم، و هو موسى الذي عليه رجاؤكم، لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني، فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي" (يوحنا 5/45-47)، فسماه موسى المرجو أو المنتظر، لمشابهته له

وعن هذا الذي يشكو بني إسرائيل يقول المسيح: أجاب يسوع: أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي وأنتم تهينونني، أنا لست أطلب مجدي، يوجد من يطلب ويدين
يوحنا 8/49-50

رابعاً : من صفات هذا النبي أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة " وأجعل كلامي في فمه "، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً - انظر لوقا 4/16-18

خامساً : أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه به ". وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالىالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً - سورة المائدة آية 3

وقد وصفه المسيح في نبوءة البارقليط، التي يأتي شرحها، فقال: " وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" - يوحنا 14/26

ولا يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو ذلك النبي الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه فقد رفع المسيح عليه السلام ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه لكنه لم يتمكن من بلاغه لكنه بشرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق لأنه النبي الذي تكمل رسالته ولا يحول دون بلاغها قتله أو إيذاء قومه يقول عليه السلام:"إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به"-يوحنا 16/12-13

سادساً : أن الذي لا يسمع لكلام هذا النبي فإن الله يعاقبه، " ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه "، وقد فسرها بطرس، فقال: " ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب "، فهو نبي واجب السمع والطاعة على كل أحد. ومن لم يسمع له تعرض لعقوبة الله، وهو ما حاق بجميع أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث انتقم الله من كل من كذبه من مشركي العرب والعجم، وقد قال المسيح عنه في نبوءة الكرامين - ويأتي شرحها-: "ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه " (متى 21/44)، فهو الحجر الصلب الذي يفني أعداءه العصاة، والذي بشر بمقدمه النبي دانيال "وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخز ف والفضة والذهب" - دانيال 2/21 - 45

وأما المسيح عليه السلام فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة، ولم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه، فقد قال لوقا في سياق قصة الصلب " فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23/34)، فأين هو من خبر ذاك " الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه


سابعاً : من صفات هذا النبي أنه لا يقتل، بل يعصم الله دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل، فالنبي الكذاب عاقبته "يموت ذلك النبي"، أي يقتل، فالقتل نوع منه، ولأن كل أحد يموت، وهنا يزعم النصارى بأن المسيح قتل، فلا يمكن أن يكون هو النبي الموعود

وبالرجوع إلى التراجم القديمة للنص نرى أن ثمة تحريفاً وقع في الترجمة ، فقد جاء في طبعة 1844م " فليقتل ذلك النبي "، ولا يخفى سبب هذا التحريف

ثامناً : يتحدث عن الغيوب ويصدق كلامه، وهذا النوع من المعجزات يكثر في القرآن والسنة –مما يطول المقام بذكره-، ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة مما تنبأ به صلى الله عليه وسلم ، فكان كما أخبر

ففي عام 617 م كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبرطورية الرومانية من على خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان، ففي سنوات معدودة تمكن جيش الفرس من السيطرة على بلاد الشام وبعض مصر، واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالاً، مما يؤذن بنهاية وشيكة للإمبرطورية الرومانية، وأراد هرقل أن يهرب من القسطنطينية، لولا أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس

ووسط هذه الأحداث ، وخلافاً لكل التوقعات أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي فيما لا يزيد عن تسع سنين، فقد نزل عليه قوله: غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله (الروم: 2-5)وكان كما تنبأ ، ففي عام 623، 624، 625م استطاع هرقل أن يشن ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الرومان، وفي عام 627م واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان، وأعادوا لهم الصليب المقدس الذي كان قد وقع بأيديهم، فمن ذا الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة؟ إنه النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام

يقول المؤرخ إدوار جِبن: "في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن السنين الاثنتي عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية

روى الترمذي في سننه (3193) عن ابن عباس في قول الله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ - سورة الروم آيات من 2 الى 4
قال: كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل الكتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما إنهم سيغلبون،
فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته إلى دون العشر
قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر
قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ - سورة الروم آيات من 2 الى 4

وهكذا ظهر لكل ناظر منصف أن النبي الذي تنبأ عنه موسى لم تتحقق أوصافه في المسيح العظيم عليه الصلاة والسلام، وتحققت في أخيه محمد صلى الله عليهما وسلم تسليماً كثيراً ومما يؤكد ذلك أنه كما لم تتوافر هذه الصفات مجتمعة في غيره، فإن اليهود لا يقولون بمجيء هذا المسيح فيما سبق، بل مازالوا ينتظرونه

إذ لما بعث يحيى عليه السلام ظنه اليهود النبي الموعود وأقبلوا عليه يسألونه " النبي أنت؟ فأجابهم: لا " (يوحنا 1/21) أي لست النبي الذي تنتظره اليهود ثم أراد تلاميذ المسيح أن تتحقق النبوءة في المسيح، فذات مرة لما رأوا معجزاته " قالوا: إن هذا بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده " (يوحنا 6/14 - 15)، فقد أراد تلاميذ المسيح تنصيبه ملكاً ليحققوا النبوءة الموجودة لديهم عن النبي المنتظر الذي يملك ويحقق النصر لشعبه، فلما علم المسيح عليه السلام أنه ليس النبي الموعود هرب من بين أيديهم

ويرى النصارى أن ثمة إشكالاً في النص التوراتي (التثنية 18/17-22) يمنع قول المسلمين، فقد جاء في مقدمة سياق النص أن الله لما كلم موسى قال: " يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي.... قد أحسنوا في ما تكلموا: أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك " (التثنية 18/15 - 18) فقد وصفت النبي بأنه "من وسطك" أي من بني إسرائيل، ولذا ينبغي حمل المقطع الثاني من النص على ما جاء في المقطع الأول، فالنبي " من وسطك " أو كما جاء في بعض التراجم "من بينك " أي أنه إسرائيلي

لكن التحقيق يرد هذه الزيادة التي يراها المحققون تحريفاً، بدليل أن موسى لم يذكرها، وهو يعيد خبر النبي على مسامع بني إسرائيل، فقال: " قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك " (التثنية 18/17-18)، ولو كانت من كلام الله لما صح أن يهملها

كما أن هذه الزيادة لم ترد في اقتباس بطرس واستيفانوس للنص كما جاء في أعمال الرسل قال بطرس: "فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به" (أعمال 3/22)، وقال استفانوس: "هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون" (أعمال 7/37)، فلم يذكرا تلك الزيادة، ولو كانت أصلية لذكرت في سائر المواضع.



نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران

وقبيل وفاة موسى عليه السلام ساق خبراً مباركاً لقومه بني إسرائيل، فقد جاء في سفر التثنية: "هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك" - التثنية 33/1-3

وأكد هذه النبوءة النبي حبقوق، حيث يقول: "الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم .... " - حبقوق 3/3 - 6

وقبل أن نمضى في تحليل النص نتوقف مع الاختلاف الكبير الذي تعرض له هذا النص في الترجمات المختلفة

فقد جاء في الترجمة السبعينية: "واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يمينه، فوهب لهم وأحبهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أظهاره، وهم يدركون آثار رجليك، ويقبلون من كلماتك. أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب

وفي ترجمة الآباء اليسوعيين: "وتجلى من جبل فاران، وأتى من ربى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم"

وفي ترجمة 1622م " شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة "، ومعنى ربوات القدس أي ألوف القديسين الأطهار، كما في ترجمة 1841م " واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار

واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهود في الكتاب المقدس "ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه" (دانيال7/10)، ومثله قوله: "كان يقول: ارجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل" (العدد 10/36)، فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران

والنص التوراتي يتحدث عن ثلاثة أماكن تقع منها البركة، أولها: جبل سيناء حيث كلم الله موسى. وثانيها: ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا (انظر يشوع 15/10)، وثالثها:هو جبل فاران وتنبئ المواضع التي ورد فيها ذكر " فاران " في الكتاب المقدس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها لكن تذكر التوراة أيضاً أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران (التكوين 21/21)، ومن المعلوم تاريخياً أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز

ويرى اليهود والنصارى في هذا النص أنه يتحدث عن أمر قد مضى يخص بني إسرائيل، وأنه يتحدث عن إضاءة مجد الله وامتداده لمسافات بعيدة شملت فاران وسعير وسيناء

ويرى المسلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلام في سعير في فلسطين، ثم محمد صلى الله عليه وسلم في جبل فاران، حيث يأتي ومعه الآلاف من الأطهار مؤيدين بالشريعة من الله عز وجل

وذلك متحقق في رسول الله لأمور:-

أولاً : أن جبل فاران هو جبل مكة، حيث سكن إسماعيل، تقول التوراة عن إسماعيل: " كان الله مع الغلام فكبر.وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " - التكوين 21/20-21

وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فتقول التوراة " هؤلاء هم بنو إسماعيل..... وسكنوا من حويلة إلى شور " التكوين 25/16 - 18، و حويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين. وعليه فإن إسماعيل وأبناؤه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل

ثانياً : أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب فلسطين لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل، وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس فقالا بأن فاران هي مكة

ثالثاً : لا يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ، إذ التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس يقول اسبينوزا: " أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات

رابعاُ : ونقول: لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال لو كان الأمر مجرد إشارة إلى انتشار مجد الله

خامساً : ومما يؤكد أن الأمر متعلق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم " أطهار الملائكة " أي أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أن " ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنينُ وملائكتُه …." - الرؤيا 12/7 فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار؟ فما ذلك إلا محمد وأصحابه

سادساُ : وما جاء في سفر حبقوق يؤيد قول المسلمين حيث يقول: " الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، و عند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم، .... " - حبقوق 3/3 - 6 فالنص شاهد على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور، ويملأ الآفاق دوي أذان هذا النبي بالتسبيح

وتيمان كما يذكر محرروا الكتاب المقدس هي كلمة عبرية معناها:" الجنوب " ومن هذا كله فالقدوس المتلألئ في جبال فاران هو نبي الإسلام، فكل الصفات المذكورة لنبي فاران متحققة فيه، ولا تتحقق في سواه من الأنبياء الكرام

هل الاصطفاء في بني إسرائيل فقط؟

تتحدث النصوص الإنجيلية بتناقض ظاهر عن موضوع الخلاص الآتي، فحسب يوحنا فإن المسيح قال للسامرية في سياق حديثه عن المسيا: "لأن الخلاص هو من اليهود" (يوحنا 4/22). لكن هذا الأمر ترده الكثير من النصوص الإنجيلية والتوراتية الأخرى، والتي تلقي بظلال الشك على صحة صدور هذه العبارة من المسيح، خاصة أنها ظاهرة الإدراج في السياق الذي وردت فيه

ونرى هنا من الأهمية بمكان أن نذكر نصوص الكتاب المقدس التي تدل على احتمالية انتقال النبوة عن بني إسرائيل إلى أمة سواهم كالعرب

لقد أرسل الله أنبياء كثر إلى بني إسرائيل، فكفروا بهم وقتلوهم، ولنتأمل ما قاله الأنبياء عن هذه الأمة المتمردة، لنرى إن كانت مستحقة لدوام البركة والاصطفاء، فقد قال عنهم موسى: "إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم، لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم"-التثنية 32/28
وقال: "جيل أعوج ملتو، ألرب تكافئون بهذا يا شعباً غبياً غير حكيم؟" - التثنية 32/5-6
وكذا قال النبي إيليا:"قد غِرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، فبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها"-الملوك (1)19/10

وكذا كان وصف الله لهم في سفر النبي حزقيال: "وقال لي: يا ابن آدم، أنا مرسلك إلى بني إسرائيل، إلى أمة متمردة قد تمردت عليّ، هم وآباؤهم عصوا عليّ إلى ذات هذا اليوم. والبنون القساة الوجوه، والصلاب القلوب، أنا مرسلك إليهم، فتقول لهم: هكذا قال السيد الرب، وهم إن سمعوا وإن امتنعوا. لأنهم بيت متمرد. فإنهم يعلمون أن نبياً كان بينهم، أما أنت يا ابن آدم فلا تخف منهم، ومن كلامهم لا تخف... وأنت ساكن بين العقارب، من كلامهم لا تخف، ومن وجوههم لا ترتعب، لأنهم بيت متمرد، وتتكلم معهم بكلامي، إن سمعوا، وإن امتنعوا، لأنهم متمردون" - حزقيال2/3-8

وكذا قال عنهم النبي إشعيا: "اسمعي أيتها السماوات وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم، ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا عليّ، الثور يعرف قانيه، والحمار مشعلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم، ويل للأمّة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين، تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء، على أي موضع تضربون بعد.تزدادون زيغاناً، كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس، ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت" - إشعيا 1/1- 6

ولما جاء المسيح نادى أورشليم: " يا قاتلة الأنبياء " (متى 13/37)، لكثرة من قتلوا على ثراها من أنبياء الله الكرام
وقال المسيح وهو يخاطب جموعهم: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …. ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم... يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين... " - متى 23/13 - 37

أفهذه أمة تستحق بقاء البركة والنبوة فيها؟ وإن كان لا، فمن ذا الأمة التي تكون مختارة ومصطفاه؟ من عساها تكون سوى الأمة الموعودة بالبركة مراراً من نسل إسماعيل عليه السلام؟ إن أمة من الأمم لم تدّع أنها تلك الأمة المصطفاه.

بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون

وقد توالى الأنبياء وهم يبشرون بقدوم نبي آخر الزمان، ويذكرون صفاته وأحواله, والتي من أهمها أنه ليس من بني إسرائيل, كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى الأبد، يسحق أعداءه، ودعوته تكون لخير جميع الأمم

وهذه الصفات لم تتوافر في أحد ادعى النبوة سواه، ولا يمكن للنصارى حمل تلك النبوءات التي يقرون في أنها نبوءات، لا يمكن لهم أن يحملوها على غيره، إذ موسى وعيسى كانا نبيين إلى بني إسرائيل فقط، وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائهم، وأما عيسى فلم ينزل بشريعة مستقلة، إذ هو نزل بشريعة موسى وبتكميلها، فهو القائل: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل" (متى 5/17)، ولم يقيض له أن ينتصر على أعدائه، بل تزعم النصارى أنهم تمكنوا منه وصلبوه فكيف يقال بأنه المختار الذي يسحق أعداءه وتترقبه الأمم؟

وأقدم النبوءات الكتابية التي تحدثت عن النبي الخاتم جاءت في وصية يعقوب لبنيه قبل وفاته حين قال لهم: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب " - التكوين 49/10

وتختلف التراجم في ثلاث من كلمات النص، فقد أبدل البعض كلمة "قضيب" بالملك أو الصولجان، وكلها بمعنى واحد، وكذا أبدلت كلمة "مشترع" بالراسم والمدبر، وهي متقاربة بمعنى صاحب الشريعة مدبر قومه

وأما الاختلاف الأهم فكان في كلمة "شيلون" التي أبقتها معجم الترجمات على حالها، وفي تراجم عبرانية أخرى قيل: "إلى أن يأتي المسيح "، وقد فسر القس إبراهيم لوقا "شيلون" بالمسيح، واعتبرها ترجمة صحيحة لكلمة "شيلوه" العبرية، وذكرت الطبعة الأمريكية للكتاب المقدس في هامشها أن كلمة "شيلون" تعني: الأمان، أو: الذي له. فما هو المعنى الدقيق للكلمة (شيلون) التي تدور حولها النبوءة؟




و نستكمل باذن الله تعالى مع....

الرسول نسبه و مولده
اسمه و نسبه
رضاعة صلى الله عليه و سلم
شق الصدر
وفاة أمه وجده وكفالة عمه له صلى الله عليه و سلم
الرسول في الشباب و الصبا
صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية
اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم
بَحِيرَى الراهب و رسول الله
حرب الفجار
حلف الفضول
اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة
السيرة الإجمالية قبل النبوة



يتبـــــــــــــع


توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 27-07-2009, 11:53 PM   #3

robinhood
عضو فعال



الصورة الرمزية robinhood


• الانـتـسـاب » Mar 2009
• رقـم العـضـويـة » 57159
• المشـــاركـات » 301
• الـدولـة » مصر
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 10
robinhood صـاعـد

robinhood غير متواجد حالياً



افتراضي



بارك الله فيك


توقيع robinhood :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 27-07-2009, 11:58 PM   #4

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



افتراضي






الحلقه الثالثه





سنستكمل الموضوع السابق وهوالرسول نسبه و مولده



اسمه و نسبه

الاسم: محمد
من أطلق عليه هذا الاسم؟ جده .

لماذا؟ قال: " أحببت أن يحمد في أهل الأرض من أهل الأرض، و أحببت أن يحمد في أهل السماء من أهل السماء ".

ما معنى محمد ؟ :هو الذي يحمد ويحمد و يحمد .

و لماذا بشر باسم أحمد؟ أحمد :هو الذي يحمد الله

نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء‏:‏ جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه صلى الله عليه وسلم وينتهي إلى عدنان‏.‏

وجزء آخر كثر فيه الاختلاف، حتى جاوز حد الجمع والائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلام فقد توقف فيه قوم، وقالوا‏:‏ لا يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه‏.‏ ثم اختلف هؤلا المجوزون في عدد الآباء وأسمائهم، فاشتد اختلافهم وكثرت أقوالهم حتى جاوزت ثلاثين قولًا، إلا أن الجميع متفقون على أن عدنان من صريح ولد إسماعيل عليه السلام‏.‏

أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلام وينتهي إلى آدم عليه السلام، وجل الاعتماد فيه على نقل أهل الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل الأعمـار وغيرهـا ما لا نشك في بطلانه، بينما نتوقف في البقية الباقية‏.‏



وفيما يلى الأجزاء الثلاثة من نسبه الزكى صلى الله عليه وسلم بالترتيب:‏



الجزء الأول ‏:‏ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان‏.‏



الجزء الثانى ‏:‏ ما فوق عدنان، وعدنان هو ابن أُدَد بن الهَمَيْسَع بن سلامان بن عَوْص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حَمْدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما السلام‏.‏

الجزء الثالث ‏:‏ ما فوق إبراهيم عليه السلام، وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن رَاعُو بن فَالَخ بن عابر بن شَالَخ بن أرْفَخْشَد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن مَتوشَلخَ بن أَخْنُوخ ـ يقال ‏:‏ هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يَرْد بن مَهْلائيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السلام‏.‏

نبينا المصطفى صلي الله عليه و سلم قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفي من بنى كنانة قريشًا، واصطفي من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم‏)‏‏.‏

وعن العباس بن عبد المطلب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا‏)‏‏.‏ وفي لفظ عنه‏:‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا‏)‏‏.‏



أسماؤه صلى الله عليه وسلم:

في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»([1]).

وعن أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد، وأحمد، والمُقَفّي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»([2]).

وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد»([3]).

شق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

قوله: «العاقب» في الترمذي: «الذي ليس بعده نبي»([4]).

قال ابن حجر: «والذي يظهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها لم يسم بها أحد قبلي، أو معظـمة أو مشهورة في الأمم الماضية، لا أنه أراد الحصر فيها»، وقد ذكر السهيلي أنه لم يتسم أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد إلا ثلاثة، إلا أن ابن حجر ذكر أنه ألف كتاباً في أسمائه صلى الله عليه وسلم فأوصل من تسمى قبله إلى خمسة عشر([5]).



وقد ألفت عدة كتب في أسمائه وأوصلها بعضهم إلى أكثر من ثلاثمائة اسم، لكن كثيراً منها لا يثبت، وبعضها من أوصافه، وبعضها لم يرد على سبيل التسمية مثل من عد من أسمائه اللبنة للحديث المذكور الذي أخرجه البخاري في باب خاتم النبيين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين»([6]).

أما كنيته صلى الله عليه وسلم فهو: أبو القاسم، كما ورد ذلك في الصحيحين عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي»([7]).




رضاعة صلى الله عليه و سلم

وكانت عادة أشراف مكة أن يعهدوا بأطفالهم إلى نساء البادية ليقمن على رضاعتهم, لأن البادية أصلح لنمو أجسام الأطفال وأبعد عن أمراض الحضر التي كثيرا ما تصيب أجسامهم فضلا عن إتقان اللغة العربية وتعود النطق بالفصحى منذ نعومه أظفارهم. وكان مقدار العناية والرعاية بالطفل يختلف من قبيلة لأخرى لذا حرص أشراف مكة على أن يكون أطفالهم عند أكثر هذه القبائل عناية ورعاية, وكانت أشهر قبيلة في هذا الأمر هي قبيلة بنى سعد .

ولم تقف شهرة بنى سعد على أمر العناية والرعاية بالطفل فقط, بل حازت الشهرة في أن لغتها كانت عربية خالصة لم تشبها شائبة, فضلا عما اشتهرت به من أخلاق كريمة طيبة لذا حرص عبد المطلب على أن يكون محمد في بني سعد فلما جاءت حليمة السعدية لتأخذه وأحست هذا الحرص طمعت في جزل العطاء فتمنعت في أخذه فلما أجزل لها أخذته وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفخر برضاعته في بنى سعد فيقول: أنا أعربكم أنا قرشي واسترضعت في بنى سعد بن بكر.

ويذكر المؤرخون أن محمد عرض على جميع المرضعات اللاتي وفدن على مكة فأبين يأخذنه ليتمه وفقره, وأنهن كن يطمعن في أبناء الأغنياء وأن حليمة ما عادت إليه الا لأنها لم تجد طفلا غيره وهذا غير صحيح فمحمد لم يكن فقيرا فهو في كفالة جده عبد المطلب سيد مكة وكبيرها, ومثله من يُطمع في عطائه. وقد ذكرت المصادر أن جيش أبرهه في حملته على الكعبة قد حاز مائتين من الإبل لعبد المطلب, كما أنة فدى ابنه عبد الله بمائة من الإبل, وذبح مجموعة كبيرة منها في زواجه لا يصد عنها إنسان ولا حيوان, ويذكر اليعقوبى أن عبد المطلب عند موته لف في حلتين من حلل اليمن قيمتها ألف مثقال من الذهب فمن كان ذلك حاله أيعقل أن يكون فقيرا تترك المرضعات ولده؟ ذلك فضلا عن إرضاع الأطفال في البادية عادة أشرف مكة وأغنيائها, أما الفقراء فكانت كل أم ترضع طفلها.

قضى محمد صلى الله عليه و سلم في حضانة ورعاية (حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية) وزوجها (الحارث بن عبد العزى) أربع أو خمس سنوات ثم حدث ما جعلها تعجل بإرجاعه إلى أمه في مكة إذا أخبرها ابنها الصغير أن رجلين أخذا محمدا فشقا صدره واستخرجا قلبه وأخذا منه علقه سوداء ثم غسلا القلب وإعاداه إلى ما كان عليه, وقد اختلف المؤرخون في حقيقة شق الصدر هل هو حسي أم معنوي؟ ولكن لعله يشير إلى الحصانات التي أضفاها الله على محمد صلى الله عليه و سلم, فحصنه ضد مساوئ الطبيعة الإنسانية ومفاتن الحياة الأرضية

وإخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة:‏ عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث ‏[‏وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها‏]‏ وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة،فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية‏.‏

لقد كان لطفولة الرسول في بادية بني سعد أثرها على بنيته الجسدية ومستقبلاً على تحوله الفكري ، فقد تكون في تلك البادية استعداده للتأمل الفكري منذ نعومة أظفاره.



الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة.

يقول المستشرق الفرنسي آتيين دينيه في كتابه: "محمد رسول الله"

(( هذه الصحة الأخلاقية والجسمية التي يدين بها إلى البادية، ساعدته كثيراً على تحمل ما ابتلي به بعد من محن.

كان محمد يحب إعادة ذكريات تلك الفترة، كثيراً ما كان يقول: " إن من نعم الله علي التي لا تقدر، أني ولدت في قريش أشرف القبائل، وأني نشأت في بادية بني سعد، أصح المواطن بالحجاز " وقد بقيت منطبعة في نفسه صور البادية التي كانت أول الأشياء تأثيراً في حسه عندما كان يسرح فيها مع الرعاة فيتسلق شرفاً ليلاحظ القطعان في مراعيهاً.



على أن استعداده للتأمل والوحدة لم يكن لينسجم مع أخلاق أقرانه الصاخبة، فكان يفضل اعتزالهم في ألعابهم ، ويذهب وحيداً حيث الهدوء والسكون ))[1] .




شق الصدر

وهكذا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سعد، حتى إذا كان بعده بأشهر على قول ابن إسحاق، وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال‏:‏ هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعضـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا‏:‏ إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس‏:‏ وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره‏.‏

وفاة أمه وجده وكفالة عمه له صلى الله عليه و سلم

الى أمه الحنون


خشيت عليه حليمة بعد واقعة شق الصدر فردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين‏.‏

ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة‏.‏

إلى جده العطوف

وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نَكَأ الجروح القديمة، فَرَقَّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، قال ابن هشام‏:‏ كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم‏:‏ دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع‏.‏

ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه‏.‏

تربية عمه أبي طالب له:

وقد شب مع عمه أبي طالب تحت رعاية الله وحفظه له من أمور الجاهلية وعاداتها السيئة «فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جواراً، وأعظـهم حلماً وأمانة، وأصدقهم حديثاً، وأبعدهم من الفحش والأذى، ما رؤي ملاحياً ولا ممارياً أحداً، حتى سماه قومه الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة»([2]).

الرسول في الشباب و الصبا

صيانة الله تعالى له من دنس الجاهلية
وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة وعمره خمس وثلاثون سنة, ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود, اختلفوا فيمن يضعه في مكانه, فاتفقوا على أن يحكموا أول داخل عليهم، فكان رسول الله فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه . (أحمد والحاكم وصححه.)


وخالف جاهلية قريش في أبرز خصائصها كمناسك الحج حيث كانوا يسمون الحمس، ويقفون في المزدلفة، ولا يخرجون من الحرم زاعمين أن أهل الحرم لا ينبغي لهم أن يعظم من الحل كما يعظم من الحرم.

اشتغاله صلى الله عليه و سلم برعي الغنم


كان صلى الله عليه وسلم في شبابه يرعى الغنم لقريش وقال: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ»([1]).

رواه البخاري (ح2262).


ولما شب محمد وأصبح فتى أراد أن يعمل و يأكل من عمل يده, فاشتغل برعي الغنم لأعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم. ويذهب البعض إلى أن حرفة الرعي وقيادة الأغنام علمت الرسول صلى الله عليه و سلم رعاية المسلمين و قيادة الأمة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة فإن كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة, كما أن الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا, وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والإنسان, لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلألئة في الليل, والشمس المشرقة في الصباح, وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب

العبرة من أن رسول الله صلي الله عليه و سلم رعي الغنم :

ورعي الغنم يتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها:


1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظراً لبطء الغنم في الأكل، فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا سياسة البشر.

2- الحلم: فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر وبعضها يذهب شمالاً وبعضها جنوباً، فإن كان الراعي غضوباً جمعها بعد شتاتها بصورة مرعبة فتبقى مجتمعة خائفة لا تأكل تخشى من عصا الراعي.

3- الأناة والقدرة: على جمع شتاتها بعد رعيها بدون أذى يلحق بها، أو نقص في غذاء يصيبها.

4- الرأفة والعناية بالضعيف: ففيها الصغير والضعيف والهرم، فيحتاج منه إلى لين ورأفة بها حتى تلحق بصواحبها وترعى مثلهن، وكذا سياسة البشر.

5- ارتياد أماكن الخصب: والبحث عنها ونصحها في ذلك وتجنيبها مواطن الجدب والهلكة، وكذا سياسة البشر تحتاج إلى بذل الجهد والنصح لهم في توريدهم مواطن الخير وتجنيبهم مواطن الهلكة، وتحسين معاشهم وما يحتاجونه من رزق حلال، وتجنيبهم الأرزاق المحرمة التي تسبب لهم الويلات والفساد، وتوزيع الثروة عليهم كل على حسبه وقدرته وجهده.

6- التواضع: في رعي الغنم وهو أمر ظاهر وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر» فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنا؟ فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس»

7- ورعي الغنم من أعظم الفرص في الخلوة بالله تعالى والتفكر في خلق السموات والأرض حيث السماء بنجومها، والأرض بجبالها وأشجارها وأنعامها...

8- إن الله تعالى قادر على أن يغني محمداً صلى الله عليه وسلم عن رعي الغنم، ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد.

9- ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد وصاحب الدعوة يجب أن يستغني عن ما في أيدي الناس ولا يعتمد بدعوته عليهم، فبذلك تبقى قيمته وترتفع منزلته، ويبتعد عن الشبه والتشكيك فيه، ويتجرد في إخلاص العمل لله تعالى، ويرد شبه الطغاة والظلمة الذي يصورون للناس أن الأنبياء أرادوا الدنيا بدعوتهم: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} (يونس:78)
هكذا يقول فرعون لموسى، ونظراً لسيطرة حب الدنيا وحطامها على عقولهم يظنون أن أي تفكير وأي حركة مراد به الدنيا، ولهذا قالت الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم مبينة استغنائها عنهم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} (سبأ:47)، {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللهِ} (هود:29).

روى البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»

ولاشك أن الاعتماد على الكسب الحر تكسب الإنسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها.

وكان أصحاب رسول الله يتاجرون ويعملون بأيديهم ولا يعتبر غضاضة في حقهم، فهذا عمر يشغله الصفق بالأسواق عن حضور بعض مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى في الاستئذان «أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ».

وفي البخاري عن قتادة: «كان القوم يتبايعون ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله»

وتقول عائشة رضي الله عنها: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم»

بَحِيرَى الراهب و رسول الله
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل‏:‏ وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب تاجرًا إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرَى ـ وهي معدودة من الشام، وقَصَبَة لحُورَان، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان‏.‏ وكان في هذا البلد راهب عرف بَبحِيرَى، واسمه ـ فيما يقال‏:‏ جرجيس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين‏.‏ فقال له ‏[‏أبو طالب و‏]‏ أشياخ قريش‏:‏ ‏[‏و‏]‏ ما علمك ‏[‏بذلك‏]‏‏؟‏ فقال‏:‏ إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ‏[‏وإنا نجده في كتبنا‏]‏، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام؛ خوفًا عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة‏.




الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة.

ولقد بحث الكاتب الإنكليزي توماس كارليل قضية لقاء الرسول ببحيرا الراهب ، وما كان لهذا اللقاء من أثر على توجيه للتفكر في قضايا الحياة والخلق . . . وقد رد كارليل في كتابه الأبطال على تلك المزاعم التي تقول إن ذلك الراهب قد لقنه العلم و انه وراء النبوة التي أنزلت على النبي محمد يقول :



« ولما شب محمد وترعرع، صار يصحب عمه في أسفار تجارية وما أشبه، وفي الثامنة عشر من عمره نراه فارساً مقاتلاً يتبع عمه في الحروب، غير أن أهم أسفاره ربما كان ذاك الذي حدث قبل هذا التاريخ ببضع سنين ، رحلة إلى مشارف الشام ، إذ وجد الفتى نفسه هنالك في عالم جديد إزاء مسألة أجنبية عظيمة الأهمية جداً في نظره، أعنى الديانة المسيحية . واني لست أدري ماذا أقول عن ذلك الراهب سرجياس (بحيرا) الذي يزعم أن أبا طالب ومحمداً سكنا معه في الدار, ولا ماذا عساه أن يتعلمه غلام في هذه السن الصغيرة من أي راهب، فإن محمداً لم يكن يتجاوز آن ذاك الرابعة عشر، ولم يكن يعرف إلا لغته، ولا شك أن كثيراً من أحوال الشام ومشاهدها لم يك في نظره إلا خليطاً مشوشاً من أشياء ينكرها ولا يفهمها. ولكن الغلام كان له عينان ثاقبتان، ولا بد من أن يكون قد انطبع على لوح فؤاده أمور وشؤون فأقامت في ثنايا ضميره، ولو غير مفهومة ريثما ينضجها له كر الغداة ومر العشي ، وتحلها له يد الزمان يوماً ما، فتخرج منها آراء وعقائد ونظرات نافذات، فلعل هذه الرحلة الشامية كانت لمحمد أوائل خير كثير وفوائد جمة )) [1] .


حرب الفجار
وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن, والتي استمرت أربع سنوات, كان عمر محمد في بدايتها خمسة عشر عاما. وسببها أن النعمان بن المنذر أراد أن يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ, فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض, وسمعت قريش وهى من كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لابد أنها ستثأر لرجلها

ووقع القتال بين الفريقين وكان في الأشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات عند انعقاد سوق عكاظ, ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلاها لهوازن فكانوا عشرين رجلا. وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة

ويروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في حرب الفجار:كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها) وقال في حديث آخر:قد حضرتها (حرب الفجار) مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت

ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى الله عليه و سلم, وهل بجمع النبل؟ أم بالرمي؟ و يبدو أن الرسول صلى الله عليه و سلم مارس العملين, فإن الحرب استمرت أربعة أعوام, كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى لا تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل, وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل.

حلف الفضول
وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذى القعدة في شهر حرام تداعت إليه قبائل من قريش‏:‏ بنو هاشم، وبنو المطلب،وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جُدْعان التيمى؛ لسنِّه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة‏:‏ ‏(‏لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت‏)‏‏.‏

وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها، ويقال في سبب هذا الحلف‏:‏ إن رجلًا من زُبَيْد قدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن وائل السهمى، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الأحلاف عبد الدار ومخزومًا، وجُمَحًا وسَهْمًا وعَدِيّا فلم يكترثوا له، فعلا جبل أبي قُبَيْس، ونادى بأشعار يصف فيها ظلامته رافعًا صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال‏:‏ ما لهذا مترك‏؟‏ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول، فعقدوا الحلف ثم قاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي‏.‏

اشتغاله صلى الله عليه و سلم بالتجارة
وفي الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها قال ابن إسحاق‏:‏ كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له‏:‏ ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام‏.

لم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بأسواق مكة أو بالأسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز, لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون. العجيب

السيرة الإجمالية قبل النبوة
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال حظًا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد حسنًا شارك فيه وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى‏.‏

ولا شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة‏:‏ لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب، فقال‏:‏ أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا، فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على أذنـى فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس‏.‏ فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة‏.‏‏.‏‏.‏ ثم ما هممت بسوء‏)‏‏.‏

وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق، فقال‏:‏ ‏(‏إزاري، إزاري‏)‏ فشد عليه إزاره‏.‏ وفي رواية‏:‏ فما رؤيت له عورة بعد ذلك‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأعزهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا وأكرمهم خيرًا، وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه‏:‏ ‏[‏الأمين‏]‏ لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق‏.





و نستكمل باذن الله تعالى مع....
المرحلة الأولى من الدعوه الاسلاميه(جهاد الدعوة)
ثلاث سنوات من الدعوة السرية
الرعيل الأول
الصلاة
الخبر يبلغ قريش إجمالاً


يتبـــــــــــــع


توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 27-07-2009, 11:59 PM   #5

kingoffruits
عضو سوبر



الصورة الرمزية kingoffruits


• الانـتـسـاب » Feb 2009
• رقـم العـضـويـة » 50171
• المشـــاركـات » 2,710
• الـدولـة » TanTawey
• الـهـوايـة » Swimming.Fotball.Tenni
• اسـم الـسـيـرفـر » Hydrus
• الـجـنـس » Male
• نقـاط التقييم » 26
kingoffruits صـاعـد

kingoffruits غير متواجد حالياً

21  


إرسال رسالة عبر Yahoo إلى kingoffruits

افتراضي



والله مش عارف اقولك اية على المواضيع المميزة جزاك الله كل خير


توقيع kingoffruits :

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

إبتَســـمْ لأنّــكَ تَعبُـــد ربّــاً ” عَظيمــاً تَستَطيـــعْ اللّجـــوء إليــهِ فِي أي وَقــتْ
{♥} ربــــــيْ إِنْ ضَـــــــاقَــــتْ الــأَحــولُ يَـــومَـــاً أَوسِــعــهَــا بـرَحــمــتِــك {♥}
♥.. ربّي ارزُقْنا مَنْ يكُونُ لنا عَوناً عَلَى رِضَاكَ ..♥


قديم 28-07-2009, 12:01 AM   #6

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



افتراضي






الحلقة الرابعة



سنستكمل الموضوع السابق وهوالدعوه الاسلاميه


المرحلة الأولى من الدعوه الاسلاميه(جهاد الدعوة)


ثلاث سنوات من الدعوة السرية


معلوم أن مكة كانت مركز دين العرب وكان بها سدنة الكعبة والقوام على الأوثان والأصنام المقدسة عند سائر العرب فالوصول إلى المقصود من الإصلاح فيها يزداد عسراً وشدة عما لو كان بعيداً عنها . فالأمر يحتاج إلى عزيمة لا تزلزلها المصائب والكوارث كان من الحكمة تلقاء ذلك أن الدعوة في بدء أمرها سرية ، لئلا يفاجئ أهل مكة بما يهيجهم

الرعيل الأول

وكان من الطبيعي أن يعرض الرسول الإسلام أولاً على ألصق الناس به وآل بيته وأصدقائه فدعاهم الإسلام ودعا إليه كل من توسم فيه خيراً ممن يعرفهم ويعرفونه يعرفهم بحب الله الحق والخير ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح فأجابه من هؤلاء _ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول وجلالة نفسه وصدق خبره- جمع عرفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين وفي مقدمتهم زوجة النبي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، ومولاه زيد بن حارثه بن شرحبيل ال***ي وابن عمه على ابن أبي طالب _ وكان صبياً يعيش في كفالة الرسول _ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق أسلم هؤلاء في أول يوم من أيام الدعوة .

ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام وكان رجلاً مألفاً محبباً سهلاً ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم بدعائه عثمان بن عفان الأموي والزبير بن العوام الأسدي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص الزهريان وطلحة بن عبيد الله التيمي . فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام .

ومن أوائل المسلمين بلال بن رباح الحبشي ، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر ، وأبو سلمه بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم المخزوميان ، وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبدالله ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، وسعيد بن زيد العدوي وامرأتة فاطمة بنت الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب وخباب بن الأرت وعبد الله بن مسعود الهذلي وخلق سواهم وأولئك هم السابقون الأولون وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً . وفي ذكر بعضهم في السابقين نظر.

قال ابن إسحاق ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به .

أسلم هؤلاء سراً وكان الرسول يجتمع بهم ويرشدهم إلى الدين متخفياً لأن الدعوة كانت لا تزال فردية وسرية وكان الوحي قد تتابع وحمى نزوله بعد نزول أوائل المدثر . وكانت الآيات وقطع السور التي تنزل في هذا الزمان آيات قصيرة ذات فواصل رائعة منيعة وإيقاعات هادئة خلابة تتناسق مع ذلك الجو الهامس الرقيق تشتمل على تحسين تزكية النفوس وتقبيح تلويثها برغائم الدنيا تصف الجنة والنار كأنهما رؤى عين تسير بالمؤمنين في جو آخر غير الذي فيه المجتمع البشري آنذاك

الصلاة

كان في أوائل ما نزل الأمر بالصلاة قال مقاتل بن سليمان : فرض الله في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، لقولة تعالى وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار وقال ابن حجر : كان رسول الله قبل الإسراء يصلي قطعاً وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض شئ قبل الصلوات الخمس من الصلوات أم لا ؟ فقيل إن الفرض كانت صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .انتهى .

وروى الحارث بن أسامة من طريق ابن لهيعة موصولاً عن زيد بن حارثة : أن رسول الله في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه .

وقد روى ابن ماجة بمعناه . وروى نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس وفي حديث ابن عباس وكان ذلك من أول الفريضة .

وقد ذكر ابن هشام أن النبي وأصحابة كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم وقد رأى أبو طالب النبي وعليا يصليان مرة فكلمهما في ذلك ولما عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات .

الخبر يبلغ قريش إجمالاً

يبدو بعد النظر في نواح شتى من الوقائع إن الدعوة _ في هذه المرحلة _ وإن كانت سرية وفردية لكن بلغت أنباؤها إلى قريش بيد أنها لم تكثرت بها .

قال محمد الغزالي : وترامت هذه الأنباء إلى قريش فلم تعرها اهتماماً ولعلها حسبت محمداً أحد أولئك الديانين الذين يتكلمون في الألوهية وحقوقها كما صنع أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة وعمرو بن نفيل وأشباهم إلا أنها توجست خيفة من ذيوع خبره وامتداد أثره وأخذت ترقب على الأيام مصيره ودعوته .

مرت ثلاث سنين والدعوة لم تزل سرية وفردية وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون وتبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها ثم تنزل الوحي يكلف رسول الله بمعالنته قومه ومجابهة باطلهم ومهاجمة أصنامهم .



ونستكمل بمشيئة الله تعالى مع ....
المرحلة الثانية(الدعوة جهاراً) أول أمر بإظهار الدعوة
الدعوة في الأقربين
على جبل الصفا
الصدع بالحق وردود فعل المشركين
وفد قريش إلى أبي طالب
المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة
أساليب شتى لمجابهة الدعوة
الإضطهادات
دار الأرقم
الهجرة الأولى إلى الحبشة
مكيدة قريش بمهاجري الحبشة
قريش يهددون أبا طالب
قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى
فكرة الطغاة في إعدام النبي صلي الله عليه و سلم
اسلام حمزة بن عبد المطلب
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ممثل قريش بين يدي الرسول
أبو طالب يجمع بني هاشم وبني عبد المطلب


يتبــــــــــــع


توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 28-07-2009, 12:08 AM   #7

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



افتراضي






الحلقة الخامسة



سنستكمل الموضوع السابق وهوالدعوه الاسلاميه

المرحلة الثانية(الدعوة جهاراً)

أول أمر بإظهار الدعوة


ول مانزل بهذا الصدد قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين والسورة التي وقعت فيها الآية _ وهي سورة الشعراء _ ذكرت فيها أولاً قصة موسى عليه السلام من بداية نبوتة إلى هجرته مع بني إسرائيل ونجاتهم من فرعون وقومه وإغراق آل فرعون معه وقد اشتملت هذه القصة على جميع المراحل التي مر بها موسى عليه السلام خلال دعوة فرعون وقومه إلى الله .

أرى أن هذا التفصيل إنما جئ به حين أمر الرسول بدعوة قومه إلى الله ليكون أمامه وأمام أصحابه نموذجاً لما سيلقونه من التكذيب والإضطهاد حينما يجهرون بالدعوة وليكونوا على بصيرة من أمرهم منذ بداية دعوتهم .

ومن ناحية أخرى تشتمل هذه السورة على ذكر مآل المكذبين للرسل من قوم نوح وعاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة _ علاوة ماذكر من أمر فرعون وقومه _ ليعلم الذين سيقومون بالتكذيب بما يؤول إليه أمرهم وبما سيلقون من مؤاخذة الله إن استمروا على التكذيب وليعرف المؤمنون أن حسن العاقبة لهم لا للمكذبين .

الدعوة في الأقربين

أول ما فعل رسول الله بعد نزول هذه الآية دعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف ، فكانوا خمسة وأربعين رجلاً . فبادره أبو لهب وقال : وهؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبُاة واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة وأنا أحق من أخذك فحسبك بنو أبيك وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئت به ، فسكت رسول الله ولم يتكلم في ذلك المجلس .

ثم دعاهم ثانية وقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . ثم قال : إن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً فقال أبو طالب : ما أحب إلينا معاونتك وأقبلنا لنصيحتك وأشد تصديقنا لحديثك وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به . فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب . فقال أبو لهب : هذه والله السوأة ، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم ، فقال أبو طالب : والله لنمنعه ما بقينا .

على جبل الصفا

وبعد ما تأكد النبي من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه ، قام يوماً على الصفا فصرخ : يا صباحاه: فأجتمع إليه بطون قريش ، فدعاهم إلى التوحيد والإيمان برسالته وباليوم الآخر . وقد روى البخاري طرفاً من هذه القصة عن ابن عباس . قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد النبي على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر ! يا بني عدي ! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ؟ فجاء أبو لهب وقريش . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقاً ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت تبت يدا أبي لهب .

وروى مسلم طرفا آخر من هذه القصة عن أبي هريرة رضي الله عنه . قال : لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله فعم وخص . فقال : يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر قريش بني كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد . أنقذي نفسك من النار ، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئاً إلا أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .

هذه النصيحة العالية هي غاية البلاغ فقد أوضح الرسول لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلات بينه وبينهم . وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله .

الصدع بالحق وردود فعل المشركين

ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فقام رسول الله يعكر على خرافات الشرك وترهاته ويذكر حقائق الأصنام وما لها من قيمة في الحقيقة ، يضرب بعجزها الأمثال ويبين بالبينات أن من عبدها وجعلها وسيلة بينه وبين الله فهو في ضلال مبين .

انفجرت مكة بمشاعر الغضب وماجت بالغرابة والاستنكار حين سمعت صوتاً يجهر بتضليل المشركين وعباد الأصنام كأنه صاعقة قصفت السحاب ، فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ وقامت قريش تستعد لحسم هذه الثورة التي اندلعت بغتة ويخشى أن تأتي على تقاليدها وموروثاتها .

قامت لأنها عرفت أن معنى الإيمان بنفي الألوهية عما سوى الله ومعنى الإيمان بالرسالة وباليوم الآخر هو الانقياد التام والتفويض المطلق ، يحيث لا يبقى لهم خيار في أنفسهم وأموالهم فضلاً عن غيرهم . ومعنى ذلك انتفاء سيادتهم وكبريائهم على العرب التي كانت بالصبغة الدينيه وامتناعهم عن تنفيذ مرضاتهم أمام مرضاة الله ورسوله وامتناعهم عن المظالم التي كانوا يفترونها على الأوساط السافلة ، وعن السيئات التي كانا يجترحونها صباح مساء . عرفوا هذا المعنى فكانت نفوسهم تأبى عن قبول هذا الوضع المخزي لا لكرامة وخير بل يريد الإنسان ليفجر أمامه

عرفوا كل ذلك جيداً ولكن ماذا سيفعلون أما رجل صادق أمين ، أعلى مثل للقيم البشرية ولمكارم الأخلاق ، لم يعرفوا له نظيراً ولا مثيلاً خلال فترة طويلة من تاريخ الآباء والأقوام ؟ ماذا سيفعلون ؟ تحيروا في ذلك وحق لهم أن يتحيروا..... وبعد إدارة فكرتهم لم يجدوا سبيلاً إلا أن يأتوا إلى عمه أبي طالب ، فيطلبوا منه أن يكف ابن أخيه عما هو فيه ، ورأوا لإلباس طلبهم لباس الجد والحقيقة أن يقولوا : إن الدعوة إلى ترك آلهتهم ، والقول بعدم نفعها وقدرتها سبة قبيحة وإهانة شديدة لها ، وفيه تسفيه وتضليل لآبائهم الذين كانوا على الدين ، وجدوا هذا السبيل فتسارعوا إلى سلوكها

وفد قريش إلى أبي طالب

قال ابن إسحاق : مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا فإما ان تكفه عنا، وإما تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل مانحن عليه من خلافه ، فنكفيكه .

فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً وردهم رداً جميلاً فانصرفوا عنه ومضى رسو الله على ماهو عليه ، يظهر دين الله ، ويدعوا إليه .

المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة

وخلال هذه الأيام أهم قريشاً أمر آخر وذلك أن الجهر بالدعوة لم يمض عليه إلا أشهر معدودة حتى قرب موسم الحج ، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب في شأن محمد حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب ، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة ، فقال لهم الوليد : أجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً ، قالوا : فأنت فقل ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع . قالوا : نقول : كاهن . قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان ، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ، قالوا : فنقول : مجنون. قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته . قالوا : فنقول شاعر، قال : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطة ، فما هو بالشعر، قالوا : فنقول : ساحر. قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم . قالوا: فما نقول ؟ قال : والله أن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن رفعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا : ساحر جاء بقول سحر يفرق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عنه بذلك .

وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له ، قالوا : أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه ، فقال لهم : أمهلوني حتى أفكر في ذلك فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفاً .

وفي الوليد أنزل الله ست عشرة آية من سورة المدثر ( من 11 إلى 16) وفي خلالها صور كيفية تفكيره ، فقال تعالى إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر. ثم عبس وبسر . ثم أدبر واستكبر . فقال إن هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر .

وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه فجلسوا بسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره .

والذي تولى كبر ذلك هو أبو لهب ، فقد كان رسول الله يتبع الناس إذا وافى الموسم في منازلهم وفي عكاظ ومجنة وذي المجاز يدعوهم إلى الله ، وأبو لهب وراءه يقول : لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب .

وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها .

أساليب شتى لمجابهة الدعوة

ولما رأت قريش أن محمداً لا يصرفه عن دعوته هذا ولا ذاك . فكروا مرة أخرى واختاروا لقمع هذه الدعوة أساليب تتلخص فيما يأتي :

1 _ السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب والتضحيك ، قصدوا بها تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية فرموا النبي بتهم هازلة وشتائم سفيهة فكانوا ينادونه بالمجنون وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ويصمونه بالسحر والكذب وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة وعواطف منفعلة هائجة وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وكان إذا جلس وحول المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا : هؤلاء جلساؤه منّ الله عليهم من بيننا وقال تعالى أليس الله بأعلم بالشاكرين وكانوا كما قص الله علينا إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين

2 _ تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات ، وبث الدعايات الكاذبة ونشر الإيرادات الواهية حول هذه التعاليم وحول ذاته وشخصيته والإكثار من كل ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته ، فكانوا يقولون عن القرآن أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً } وقال إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وكانو يقولون إنما يعلمه بشر يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وفي القرآن نماذج كثيرة للردود على إيراداتهم بعد نقلها أو من غير نقلها .

3 _ معارضة القرآن بأساطير الأولين وتشغيل الناس بها عنه فقد ذكروا أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش : يا معشر قريش ! والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد . قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر . لا والله ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن . لا والله ما هو بكاهن . قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم : شاعر . لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم مجنون . لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ، ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .

ثم ذهب النضر إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وأسفنديار فكان إذا جلس وسلم مجلساً للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ، ويقول : والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار ثم يقول : بماذا محمد أحسن مني حديثاً مني .

وتفيد روايه ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قينات فكان لا يسمع برجل مال إلى النبي إلا سلط عليه واحدة منها تطعمه وتسقيه وتغني له حتى لا يبقى له ميل إلى الإسلام ، وفيه نزل قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله .

4 _ مساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام بالجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي بعض ما هو عليه قال تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون فهناك رواية رواها ابن جرير والطبراني تفيد أن المشركين عرضوا على رسول الله أن يعبد آلهتهم عاماً ويعبدون ربه عاماً ورواية أخرى لعبد بن حميد تفيد أنهم قالوا : لو قبلت آلهتنا نعبد إلهك .. وروى ابن إسحاق بسنده قال : اعترض رسول الله _ وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي _ وكانوا ذوي أسنان في قومهم _ فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون وحسم الله مفاوضتهم المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة .. ولعل اختلاف الروايات لأجل أنهم حاولوا هذه المساومة مرة بعد أخرى .

الإضطهادات

وكان أبو جهل يجئ أحياناً إلى رسول الله يسمع منه القرآن ، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ويؤذي رسول الله بالقول ويصد عن سبيل الله ثم يذهب مختالاً بما يفعل فخوراً بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئاً يذكر ، وفيه نزل فلا صدق ولا صلى إلخ .. وكان يمنع النبي عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم ، ومرة مر به وهو يصلي عند المقام فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ، وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره . فقال : يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً . فأنزل فليدع ناديه وفي رواية أن النبي أخذ بخناقة ، وهزه وهو يقول له : أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى فقال عدو الله : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها .
ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار بل ازداد شقاوة فيما بعد .
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ! فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه ، فأتى رسول الله وهو يصلي ، زعم ليطأ رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحة ، فقال رسول الله : لو دنا مني لا ختطفته الملائكة عضواً عضواً .
كانت هذه الاعتداءات بالنسبة إلى النبي مع ما لشخصيته الفذة من وقار وجلال في نفوس العامة والخاصة ، ومع ما له من منعة أبي طالب أعظم رجل محترم في مكة ، أما بالنسبة إلى المسلمين - ولا سيما الضعفاء منهم - فإن الإجراءات كانت أقسى من ذلك وأمر ، ففي نفس الوقت قامت كل قبيلة تعذب من دان منها بالإسلام أنواعاً من التعذيب ، ومن لم يكن له قبيلة فأجرت عليهم الأوباش والسادات ألواناً من الاضطهاد ، يفزع من ذكرها قلب الحليم .
كان أبو جهل إذا سمع برجل أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه ، و أوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال ، والجاه ، وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به .
وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته .. ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته وأخرجته من بيته ، وكان من أنعم الناس عيشاً فتخشف جلده تخشف الحية .
وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي ، فكان أمية يضع في عنقه حبلاً ، ثم يسلمه إلى الصبيان ، يطوفون به في جبال مكة ، حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه ، وكان أمية يشده شداً ثم يضربه بالعصا ، وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس ، كما كان يكرهه على الجوع ، وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول : لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ، وتعبد اللات والعزى . فيقول - وهو في ذلك - أحد ، أحد ، حتى مر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به ، فاشتراه بغلام أسود ، وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة وأعتقه . وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم ، أسلم هو وأبوه وأمه ، فكان المشركون - وعلى رأسهم أبو جهل - يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها . ومر بهم النبي وهم يعذبون فقال : صبراً آل ياسر ! فإن موعدكم الجنة ، فمات ياسر في العذاب ، وطعن أبو جهل سمية _ أم عمار _ في قلبها بحربة فماتت ، وهي أول شهيدة في الإسلام ، وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة ، وبوضع الصخر أحمر على صدره أخرى ، وبالتغريق أخرى . وقالوا : لانتركك حتى تسب محمداً ، أو تقول : في اللات والعزى خيراً ، فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء باكياً معتذراً إلى النبي ، فأنزل الله من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
وكان أبو فكيهة _ واسمه أفلح _ مولى لبني عبد الدار ، فكانوا يشدون برجله الحبل ، ثم يجرونه على الأرض .
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية ، فكان المشركون يذيقونه أنواعاً من التنكيل ، يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذباً ، ويلوون عنقه تلوية عنيفة وأضجعوه مرات عديدة على فهام ملتهبة ، ثم وضعوا عليه حجراً ، حتى لا يستطيع أن يقوم .

وكانت زنيرة والنهدية وابنتها وأم عيسى إماء أسلمن وكان المشركون يسومونهن من العذاب أمثال ما ذكرنا . واسلمت جارية لبني مؤمل _ وهم حي من بني عدي _ فكان عمر بن الخطاب _ وهو يومئذ مشرك _ يضربها حتى إذا مل قال : إني لم اترك إلا ملالة .

وابتاع أبو بكر هذه الجواري فأعتقهن كما أعتق بلالاً وعامر بن فهيرة وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب الإبل والبقر ثم يلقونه في حر الرمضاء ويلبسون بعضاً أخر درعاً من الحديد ثم يلقونه على صخرة ملتهبه .. وقائمة المعذبين في الله طويلة جداً فما من أحد علموا بإسلامه إلا تصدوا له وآذوه .

دار الأرقم

كان من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله المسلمين عن إعلان إسلامهم قولاً أو فعلاً وأن يجتمع بهم إلا سراً لأنه إذا اجتمع بهم علناً فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين بل وقع ذلك فعلاً في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن ا صحاب رسول الله كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيهم سراً فرآهم نفر من كفار قريش فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً فسال دمه وكان أول دم أهريق في الإسلام.

ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم فكان من الحكمة الاختفاء فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما رسول الله فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ، لا يصرفه عن ذلك شئ ولكن كان يجتمع مع المسلمين سراً نظراً لصالحهم وصالح الإسلام وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزاً لدعوته ، ولا جتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة .

الهجرة الأولى إلى الحبشة

كانت بداية الاضطهادات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة ، بدأت ضعيفة ثم لم تزل يوماً فيوماً وشهراً فشهراً حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ، حتى نبا بهم المقام في مكة ، و أوعزتهم أن يفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم وفي هذه الساعة الضنكة الحالكة نزلت سورة الكهف ، ردوداً على أسئلة أدلى بها المشركون إلى النبي ولكنها اشتملت على ثلاث قصص ، فيها إشارات بليغة من الله تعالى إلى عباده المؤمنين ، فقصة أصحاب الكهف ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخالفة الفتنة على الدين ، متوكـــلاً على الله وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً .

وقصة الخضر وموسى تفيد أن الظروف لا تجري ولا تنتج حسب الظاهر دائماً ، بل ربما يكون الأمر على عكس كامل بالنسبة إلى الظاهر . ففيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة ضد المسلمين ستنعكس تماماً وسيصادر هؤلاء الطغاة المشركون _ إن لم يؤمنوا _ أمام هؤلاء الضعفاء المدحورين من المسلمين .

وقصة ذي القرنين تفيد أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان دون الكفر وأن الله لا يزال يبعث من عباده _ بين آونة وأخرى _ من يقوم بإنجاء الضعفـــــاء من يأجوج ذلك الزمان ومأجوجه وأن الأحق بإرث الأرض إنما هم عباد الله الصالحون . ثم نزلت سورة الزمر تشير إلى الهجرة وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ، وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

وكان رسول الله قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل لا يظلــــم عنده أحد فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن .

وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكوناً من اثني عشـــر رجلاً وأربع نسوة ، رئيسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقية بنت رسول الله وقد قال النبي فيهما : إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام .

كان رحيل هؤلاء تسللاً في ظلمة الليل _ حتى لا تفطن لهم قريش _ خرجوا إلى البحر ، ويمموا ميناء شعيبة وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة وفطنت لهم قريش فخرجت في آثارهم ، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين وأقام المسلمين في الحبشة في أحسن جوار .

وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي إلى الحرم ، وهناك جمع كبير من قريش كان فيه ساداتها وكبراؤها فقام فيهم وأخذ يتلوا سورة النجم بغتة ، إن إولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل ذلك ، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً ، من قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة ، وقرع آذانهم كلام إلهي رائع خلاب _ لا يحيط بروعته وجلالته البيان _ تفانوا عما هم فيه وبقي كل واحد مصغياً إليه ، لا يخطر بباله شئ سواه حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ : فاسجدوا لله واعبدوا ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجداً وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين .

وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لوى زمامهم فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين ، وعند ذلك كذبوا على رسول الله وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير وأنه قال عنها (( تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى )) جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب ، ويطيلون الدس والافتراء .

بلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية ، بلغهم أن قريشاً أسلمت ، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة ، فلما كانوا دون مكة ساعة نهار وعرفوا جلية الأمر ، رجع منهم من رجع إلى الحبشة ، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفياً ، أو في جوار رجل من قريش .

ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ولم ير رسول الله بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها فقد تيقظت قريش وقررت إحباطها بيد أن المسلمين كانوا أسرع ويسر الله لهم السفر فانحازوا ألى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا.

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة وبالأول جزم العلامة محمد سليمان المنصور فوري

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمناً لأنفسهم ودينهم ، فاختاروا رجلين جلديين لبيبين وهما : عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة _ قبل أن يسلما _ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته وبعد أن ساق الرجلا تلك الهدايا إلى البطارقة وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون ، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم حضرا إلى النجاشي ، وقدما له الهدايا ثم كلماه فقالا له :

أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ، لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيـــــناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .

وقالت البطارقة : صدقاً أيها الملك فأسلمهم إليهما ، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم . ولكن رأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية وسماع أطرافها جميعاً ، فأرسل إلى المسلمين ودعاهم فحضروا وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائناً من كان . فقال لهم النجاشي : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل ؟

قال جعفر بن أبي طالب _ وكان هو المتكلم عن المسلمين _ أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل منا القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانه ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام _ فعدد عليه أمور الأسلام _ فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ماجاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شئ ؟ فقال له جعفر : نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدراً من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله أسلمهم إليكما ولا يكادون _ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه _ فخرجا ، وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن ربيعة : والله لآتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم ، فقال له عبد الله بن ربيعة : لا تفعل ، فإن لهم ارحاماً وإن كانوا قد خالفونا ، ولكن أصر عمرو على رأيه .

فلما كان الغد قال للنجاشي : أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ، ففزعوا ، ولكن اجمعوا على الصدق كائناً من كان ، فلما دخلوا عليه ، وسألهم قال له جعفر : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .

فأخذ النجاشي عوداً من الأرض ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته ، فقال : وإن نخرتم والله .

ثم قال للمسلمين : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي _ والشيوم : الآمنون بلسان الحبشة _ من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأنى آذيت رجلاً منكم _ والدبر الجبل بلسان الحبشة .

ثم قال لحاشيته ردّوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه .

قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة : فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .

هذه رواية ابن إسحاق وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر ، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها إبن اسحاق تقريباً ، ثم إن الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي .

أخفقت حيلة المشركين ، وفشلت مكيدتهم وعرفوا أنهم لا يشيعون ضغينتهم إلا في حدود سلطانهم ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة . رأوا أن التفصي عن هذه (( الداهية )) لا يمكن إلا بكف رسول الله عن دعوته تماماً ، وإلا فبإعدامه ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأبو طالب يحوطه ويحول بينه وبينهم ؟ رأوا أن يواجهوا أبا طالب في هذا الصدد.

قريش يهددون أبا طالب

جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا . وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين .

عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد ، فبعث إلى رسول الله وقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله أن عمه خاذله وأنه ضعُف عن نصرته ، فقال : يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر _ حتى يظهره الله أو أهلك فيه _ ما تركته ، ثم استعبر وبكى ، وقام فلما ولى ناداه أبو طالب فلما أقبل قاله له : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبداً .. ثم أنشد :
والله لن يصلـوا إليك بجمعـهم
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
حتى أوسد في التراب دفينا
وأبشر وقر بذاك منك عيونا

قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى

ولما رأت قريش أن رسول الله ماض في عمله وعرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك فذهبوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له : يا أبا طالب إن هذا الفتى أنهد فتى في قريش وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولداً فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل برجل ، فقال : والله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه . هذا والله ما لا يكون أبداً . فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكره فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً ، فقال : والله ما أنصفتموني ، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ ، فاصنع ما بدا لك .


لا تذكر المصادر التاريخيه زمن هاتين الوفادتين لكن يبدو بعد التأمل في القرائن والشواهد أنهما كانتا في أواسط السنة السادسة من النبوة ، وأن الفصل بين الوفادتين لم يكن إلا يسيراً.

فكرة الطغاة في إعدام النبي صلي الله عليه و سلم

وبعد فشل قريش وخيبتهم في الوفادتين عادوا إلى ضراوتهم وتنكيلهم بأشد مما كان قبل ذلك ، وخلال هذه الأيام نشأت في طغاتهم فكرة إعدامه بطريق أخرى وكانت هذه الفكرة وتلك الضراوة هي التي سببت في تقوية الإسلام ببطلين جليلين من أبطال مكة ، وهما حمزة بن عبدالمطلب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

فمن تلك الضراوة أن عتيبة بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله فقال : أنا أكفر بـ النجم إذا هوى و بالذي دنا فتدلى ثم تسلط عليه بالأذى وشق قميصه وتفل في وجهه إلا أن البزاق لم يقع عليه وحينئذ دعا عليه النبي وقال . اللهم سلط عليه ***اً من كلابك ، وقد استجيب دعاؤه فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام فغدا عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه .

ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .

ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله ما رواه ابن إسحاق في حديث طويل ، قال : قال أبو جهل :
يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بعد ذلك بنو بعد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد .

فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراُ كما وصف ، ثم جلس لرسول الله ينتظره وغدا رسول الله كما كان يغدو فقام يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ، ينتظرون ما أبو جهل فاعل ـ فلما سجد رسول الله ، احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مرعوباً قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهمّ بي أن يأكلني .

قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله قال : ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه .

وبعد ذلك فعل أبو جهل برسول الله ما أدى إلى إسلام حمزة رضي الله عنه وسيأتي .

أما طغاة قريش فلم تزل فكرة إعدام تنضج في قلوبهم ، روى ابن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ، فذكروا رسول الله ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ، فبينا هم كذلك ، إذ طلع رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً بالبيت ، فغمزوه ببعض القول ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله ، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ، ويقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولاً.

فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به ، فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه ، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه . قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط . انتهى ملخصاً .

وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي قال : بينا النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟

وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر ، فقال : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا ، وعليه غدائر أربع ، فخرج وهو يقول : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله ؟ فلهوا عنه ، وأقبلوا على أبي بكر ، فرجع إلينا لا نمس شيئاً من غدائره إلا رجع معنا.

إسلام حمزة بن عبد المطلب

خلال هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق نور للمقهورين طريقهم ألا وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة ، والأغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة .

وسبب إسلامه أن أبا جهل مرّ برسول الله يوما عند الصفا ، فآذاه ونال منه ورسول الله ساكت لا يكلمه ، ثم يضربه أبو جهل بحجر في رأسه فشجه ، حتى نزف منه الدم ، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة ، فجلس معهم ، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك ، وأقبل حمزة من القنص متوشحاً قوسه ، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل فغضب حمزة _ وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة _ فخرج يسعى ، لم يقف لأحد معداً لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ، فلما دخل المسجد قام على رأسه ، وقال له : يا مصفر استه ، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة ، فثار رجل بني مخزوم _ حي أبي جهل _ وثار بنو هاشم _ حي حمزة _ فقال : أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً .

وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل أبى أن يهان مولاه ، ثم شرح الله صدره ، فاستمسك بالعروة الوثقى ، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز .

إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وخلال هذا الجو الملبد بسحائب الظلم والطغيان أضاء برق آخر أشد بريقاً وإضاءة من الأول ، ألا وهو عمر بن الخطاب ، أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه . وكان النبي قد دعا الله تعالى لإسلامه ، فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر ، وصححه ، وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي قال : اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه .

وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجاً ، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر .
كان رضي الله عنه معروفاً بحدة الطبع وقوة الشكيمة ، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى ، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة ، احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد ، واسترساله مع شهوات السكر واللهو التي ألفها ، ثم إعجابه بصلابة المسلمين واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم ، ثم الشكوك التي كانت تساوره _ كأي عاقل _ في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره ، ولهذا ما إن يثور حتى يخور . قاله محمد الغزالي .
وخلاصة الروايات مع الجمع بينها في إسلامه رضي الله عنه أنه ألتجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته ، فجاء إلى الحرم ، ودخل الكعبة ، والنبي قائم يصلي وقد استفتح سورة (( الحاقة )) فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب من تأليفه ، قال : فقلت _ أي في نفسي هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال : فقرأ إنه لقول رسول كريم ، وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون قال : قلت : كاهن ، قال : ولا بقول كاهن . قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين إلى آخر السورة .قال فوقع الإسلام في قلبي .. كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه ، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية والعصبية التقليدية ، والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه ، فبقي مجداً في عمله ضد الإسلام ، غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة .
وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله أنه خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد القضاء على النبي فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي أو رجل من بني زهرة أو رجل من بني مخزوم فقال : أين تعمد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمداً قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمداً ؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي كنت عليه قال أفلا أدلك على العجب ياعمر ! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه ، فمشى عمر دامراً حتى أتاهما وعندهما خباب بن الأرث معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها _ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن _ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت ، وسترت فاطمة _ أخت عمر _ الصحيفة وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما فلما دخل عليهما قال : ما هذه الهيمنه التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما . فقال له ختنه : ياعمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً . فجاءت أخته فرفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها _ وفي روايه ابن إسحاق أنه ضربها فشجها _ فقالت _ وهي غضبى _ ياعمر إن كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .

فلما يئس عمر ، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحى وقال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ، فقالت أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم با غتسل فقام فأغتسل ثم أخذ الكتاب ، فقرأ : (( بسم الله الرحمن الرحيم )) فقال أسماء طيبة طاهرة ثم قرأ : طه حتى انتهى إلى قوله إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .

فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت ، فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول لك ليلة الخميس اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا .
فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم انطلق حتى أتى الدار ، فضرب الباب ، فقام رجل ينظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف ، فأخبر رسول الله واستجمع القوم فقال لهم حمزة : مالكم ؟ قالوا : عمر ، فقال : وعمر ، افتحوا له الباب فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له ، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه ، ورسول الله داخل يوحى إليه فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة ، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ثم جبذه جبذة شديدة فقال : أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد ين المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . وأسلم فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد .
كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين بالذلة والهوان ، وكسا المسلمين عزة وشرفاً وسروراً .
روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال : لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله عداوة قال : فقلت : أبو جهل فأتيت حتى ضربت عليه بابه فخرج إليّ وقال : أهلاً وسهلاً ، ما جاء بك ؟ قال : جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد ، وصدقت بما جاء به قال : فضرب الباب في وجهي ، وقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به .
وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي الله عنه قال : كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم ، فجئت _ أي حين أسلمت _ إلى خالي _ وهو العاصي بن هاشم فأعلمته فدخل البيت ، قال : وذهبت إلى رجل من كبراء قريش _ لعله أبو جهل _ وذكر ابن هشام وكذا ابن الجوزي مختصراً ، أنه لما أسلم أتى إلى جميل بن معمر الجمحي _ وكان أنقل قريش لحديث _ فأخبره أنه أسلم ، فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ . فقال عمر :_ وهو خلفه _ كذب ولكني قد أسلمت فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وطلح ، أي عيا عمر فقعد ، وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم فأحلف بالله أن لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا .
وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله . روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال : بينما هو _ أي عمر _ في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو وعليه حلة سبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية ، فقال له : مالك ؟ قال : زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت ، قال لا سبيل إليك _ بعد أن قالها أمنت _ فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي ، فقال أين تريدون ؟ فقالوا : هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ ، قال : لا سبيل إليه ، فكر الناس وفي لفظ ، في روايه ابن إسحاق : والله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه .
هذا بالنسبة إلى المشركين ، أما بالنسبة إلى المسلمين ، فروى مجاهد عن ابن عباس قال : سألت عمر بن الخطاب ، لأي شئ سميت الفاروق ؟ قال : أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام _ قص عليه قصة إسلامه وقال في آخره _ قلت : أي حين أسلمت _ يا رسول الله ! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال بلى ! والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم ، قال : قلت : ففيم الا ختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين ، حمزة في أحدهما ، وأنا في الآخر ، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال : فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبه لم يصبهم مثلها ، فسماني رسول الله (( ا لفاروق )) يومئذ.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر وعن صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه قال : لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعى إليه علانية وجلسنا حول البيت حِلقا وطفنا بالبيت وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به .
وعن عبد الله بن مسعود قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر

ممثل قريش بين يدي الرسول

وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين _ حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما _ أخذت السحائب تنقشع ، وأفاق المشركون عن سكرهم في إدلاء العذاب والنكال إلى المسلمين وحاولوا مساومة مع النبي بإغداق كل ماهو يمكن أن يكون مطلوباً له ، ليكفوه عن دعوته . ولم يكن يدري هؤلاء المساكين أن كل ما تطلع عليه الشمس لا يساوي جناح بعوضة أمام دعوته ، فخابوا وفشلوا فيما أرادوا .

قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيداً قال يوماً وهو في نادي قريش ورسول الله جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد ؟ فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله يكثرون ويزيدون فقالوا : بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه فقام إليه عتبه حتى جلس إلى رسول الله فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها . فقال : رسول الله : قل أبا الوليد اسمع ، قال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه _ أو كما قاله له _ حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه ، قال : قد أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ، قال : أفعل ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (3) بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنة مّما تدعونا إليه ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه ، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما ، يسمع منه ، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها فسجد ثم قال : قد سمعت أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك . فقام عتبة إلى أصحابة ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم .

وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء الرسول إلى قوله تعالى فإن أعرضوا فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فقام مذعوراً فوضع يده على فم رسول الله يقول : أنشدك الله والرحم ! وذلك مخافة أن يقع النذير ، وقام إلى القوم فقال ما قال.

أبو طالب يجمع بني هاشم وبني عبد المطلب

تغير مجرى الظروف وتبدلت الأوضاع والأحوال ، ولكن أبا طالب لم يزل يتوجس من المشركين خيفة على ابن أخيه إنه كان ينظر في الحوادث الماضية _ إن المشركين هددوه بالمنازلة ثم حاولوا مساومة ابن أخيه بعمارة بن الوليد ليقتلوه ، وإن أبا جهل ذهب إلى ابن أخيه بحجر يرضخه ، وإن عقبة بن أبي معيط خنق ابن أخيه بردائه وكاد يقتله ، وإن ابن الخطاب كان قد خرج بالسيف ليقضي على ابن أخيه _ كان أبو طالب يتدبر في هذه الحوادث ويشم منها رائحة شر يرجف له فؤاده ، وتأكد عنده أن المشركين عازمون على إخفار ذمته ، عازمون على قتل ابن أخيه وما يغني حمزة أو عمر أو غيرهما إن انقض أحد المشركين علىابن أخيه بغتة .

تأكد ذلك عند أبي طالب ، ولم يكن إلا حقاً فإنهم كانوا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله علانية ، وإلى هذا الإجماع إشارة في قوله تعالى أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون فماذا يفعل أبو طالب إذن .

إنه لما رأى تألب قريش على ابن أخيه قام في أهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف ، ودعاهم إلى ماهو عليه من منع ابن أخيه والقيام دونه فأجابوه إلى ذلك مسلمهم وكافرهم حمية للجوار العربي ، إلا ما كان من أخية أبي لهب ، فإنه فارقهم ، وكان مع قريش .


ونستكمل بمشيئة الله تعالى مع.......
أمر القيام بالدعوة إلى الله وموادها
أدوار الدعوة ومراحلها
و نبدأ مع..... غزوات رسول الله


يتبــــــــــــع


توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 28-07-2009, 12:29 AM   #8

mr.alaa24
عضو فعال



الصورة الرمزية mr.alaa24


• الانـتـسـاب » Jul 2009
• رقـم العـضـويـة » 63303
• المشـــاركـات » 294
• الـدولـة »
• الـهـوايـة »
• اسـم الـسـيـرفـر »
• الـجـنـس »
• نقـاط التقييم » 11
mr.alaa24 صـاعـد

mr.alaa24 غير متواجد حالياً

1  



افتراضي






الحلقه السادسه




سنستكمل الموضوع السابق وهوأمر القيام بالدعوة إلى الله وموادها
أدوار الدعوة ومراحلها



أمر القيام بالدعوة إلى الله وموادها


تلقى النبي أوامر عديدة في قولة تعالى يا أيها المدثر(1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر (4) والرجز فاهجر (5) ولا تمنن تستكثر (6) ولربك فاصبر أوامر بسيطة في الظاهر ، بعيدة المدى والغاية ، قوية الأثر والفعل في الحقيقة ونفس الأمر

1_ فغاية القيام بالإنذار أن لا يترك أحداً ممن يخالف مرضاة الله في عالم الوجود إلا وينذره بعواقبه الوخيمة حتى تقع رجفة وزلزال في قلبه وروعه .

2_ وغاية تكبير الرب أن لا يترك لأحد كبرياء في الأرض إلا وتكسر شوكتها وتقلب ظهراً لبطن ، حتى لا يبقى في الأرض إلا كبرياء الله تعالى .

3_ وغاية تطهير الثياب وهجران الرجز أن يبلغ في تطهير الظاهر والباطن وفي تزيكة النفس من جميع الشوائب والألواث إلى أقصى حد وكمال يمكن لنفس بشرية تحت ظلال رحمة الله الوارفة وحفظه وكلئه وهدايته ونوره حتى يكون أعلى مثل في المجتمع البشري تجتذب إليه القلوب السليمة وتحس بهيبته وفخامته القلوب الزائغة حتى ترتكز إليه الدنيا بأسرها وفاقا أو خلافاً .

4_ وغاية عدم الإستكثار بالمنة أن لا يعد فعالاته وجهوده فخيمة عظيمة بل لا يزال يجتهد في عمل بعد عمل ويبذل الكثير من الجهد والتضحية والفناء ثم ينسى كل ذلك بل يفنى بالشعور بالله بحيث لا يحس ولا يشعر بما بذل وقدم .

5_ وفي الآية الأخيرة إشارة إلى ما سيلقاه من أذى المعاندين من المخالفة والإستهزاء والسخرية إلى الجد والإجتهاد في قتله وقتل أصحابه وإبادة كل من التف حوله من المؤمنين يأمر الله تعالى أن يصبر على كل من ذلك بقوة وجلادة لا لينال حظاً من حظوظ نفسه بل لمجرد مرضاة ربه .

الله أكبر ما أبسط هذه الأوامر في صورتها الظاهرة وما أروعها في إيقاعاتها الهادئة الخلابة ولكن ما أكبرها وأفخمها وأشدها في العمل وما أعظمها إثارة لعاصفة هوجاء تحضر جوانب العالم كله وتتركها يتلاحم بعضها في بعض .

والآيات نفسها تشتمل على مواد الدعوة والتبليغ فالإنذار نفسه يقتضي أن هناك أعمالاً لها عاقبة سوأى يلقاها أصحابها ونظراً لما يعرفه كل أحد أن الدنيا لا يجازى فيها بكل ما يعمل الناس بل ربما لا يمكن المجازاة بجميع الأعمال . فالإنذار يقتضي يوماً للمجازاة غير أيام الدنيا وهو الذي يسمى بيوم القيامة ويوم الجزاء والدين وهذا يستلزم حياة أخرى غير الحياة التي نعيشها في الدنيا .

وسائر الآيات تطلب من العباد التوحيد الصريح وتفويض الأمور كلها إلى الله تعالى وترك مرضاة النفس ومرضاة العباد إلى مرضاة الله تعالى .

فإذن تتلخص هذه المواد في :

أ _ التوحيد .

ب _ الإيمان بيوم الآخرة .

ج _ القيام بتزكية النفس بأن تتناهى عن المنكرات والفواحش التي تفضي إلى سوء العاقبة وبأن تقوم باكتساب الفضائل والكمالات وأعمال الخير .

د _ تفويض الأمور كلها إلى الله تعالى .

هـ _ وكل ذلك بعد الإيمان برسالة محمد وتحت قيادته النبيلة وتوجيهاته الرشيدة .

ثم إن مطلع الآيات تضمنت النداء العلوي _ في صوت الكبير المتعال _ بانتداب النبي لهذا الأمر الجلل وانتزعه من النوم والتدثر والدفء إلى الجهاد والكفاح والمشقة يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) كأنه قيل : إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً أما أنت الذي تحمل هذا العبء الكبير فمالك والنوم ؟ وما لك والراحة ؟ ومالك والفراش الدافئ ؟ والعيش الهادئ ؟ والمتاع المريح ! قم للأمر العظيم الذي ينتظرك والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد والنصب والكد والتعب . قم فقد مضى وقت النوم والراحة وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد .

إنها لكلمة عظيمة رهيبة تنزعه من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ لتدفع به في الخضم بين الزعازع والأنواء وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء .

وقام رسول الله فظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً ! لم يسترح ولم يسكن ولم يعش لنفسه ولا لأهله قام وظل قائماً على دعوة الله يحمل على عاتقة العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض ، عبء البشرية كلها ، عبء العقيدة كلها ، عبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى ، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاماً لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوي الجليل وتلقى منه التكليف الرهيب .. جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء .

وليس هذا الموقع إلى صورة مصغرة بسيطة من هذا الجهاد الطويل الشاق الذي قام به رسول الله خلال هذا الأمد .



أدوار الدعوة ومراحلها

يمكن أن نقسم عهد الدعوة المحمدية _ على صاحبها الصلاة والسلام والتحية _ إلى دورين يمتاز أحدهما عن الآخر تمام الامتياز وهما :

1 _ الدور المكي ، ثلاث عشرة سنة تقريباً .

2 _ الدور المدني ، عشر سنوات كاملة .

ثم يشتمل كل من الدورين على مراحل لكل منها خصائص تمتاز بها عن غيرها ويظهر ذلك جلياً بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال الدورين .

ويمكن تقسيم الدور المكي إلى ثلاث مراحل :

1 - مرحلة الدعوة السرية ، ثلاث سنين .

2 _ مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة ، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى أواخر السنة العاشرة .

3 _ مرحلة الدعوة خارج مكة ، وفشوها فيهم ، من أواخر السنة العاشرة من النبوة إلى هجرته إلى المدينة .



غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

نظرة على الغزوات

إذا نظرنا إلى غزوات النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعوثه وسراياه ، لا يمكن لنا ولا لأحد ممن ينظر في أوضاع الحروب وآثارها وخلفياتها ـ لا يمكن لنا إلا أن نقول ‏:‏ إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أكبر قائد عسكري في الدنيا ، وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظاً ، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف ، كما كان سيد الرسل وأعظمهم في صفة النبوة والرسالة ، فلم يخض معركة من المعارك إلا في الظرف ومن الجهة اللذين يقتضيهما الحزم والشجاعة والتدبير ، ولذلك لم يفشل في أي معركة من المعارك التي خاضها لغلطة في الحكمة وما إليها من تعبئة الجيش وتعيينه على المراكز الاستراتيجية ، واحتلال أفضل المواضع وأوثقها للمجابهة ، واختيار أفضل خطة لإدارة دفة القتال ، بل أثبت في كل ذلك أن له نوعاً آخر من القيادة غير ما عرفتها الدنيا في القواد ‏.‏ ولم يقع ما وقع في أُحد وحنين إلا من بعض الضعف في أفراد الجيش ـ في حنين ـ أو من جهة معصيتهم أوامره وتركهم التقيد والالتزام بالحكمة والخطة اللتين كان أوجبهما عليهم من حيث الوجهة العسكرية ‏.‏



وقد تجلت عبقريته (صلى الله عليه وسلم) في هاتين الغزوتين عند هزيمة المسلمين ، فقد ثبت مجابهاً للعدو ، واستطاع بحكمته الفذة أن يخيبهم في أهدافهم ـ كما فعل في أحد ـ أو يغير مجري الحرب حتى يبدل الهزيمة انتصاراً ـ كما في حنين ـ مع أن مثل هذا التطور الخطير ، ومثل هذه الهزيمة الساحقة تأخذان بمشاعر القواد ، وتتركان على أعصابهم أسوأ أثر ، لا يبقى لهم بعد ذلك إلا هم النجاة بأنفسهم ‏.‏

هذه من ناحية القيادة العسكرية الخالصة ، أما من نواح أخرى ، فإنه استطاع بهذه الغزوات فرض الأمن وبسط السلام ، وإطفاء نار الفتنة ، وكسر شوكة الأعداء في صراع الإسلام والوثنية ، وإلجائهم إلى المصالحة ، وتخلية السبيل لنشر الدعوة ، كما استطاع أن يتعرف على المخلصين من أصحابه ممن هو يبطن النفاق ، ويضمر نوازع الغدر والخيانة ‏.‏



وقد أنشأ طائفة كبيرة من القواد ، الذين لاقوا بعده الفرس والرومان في ميادين العراق والشام ، ففاقوهم في تخطيط الحروب وإدارة دفة القتال ، حتى استطاعوا إجلاءهم من أرضهم وديارهم وأموالهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكيهن ‏.‏

كما استطاع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) بفضل هذه الغزوات أن يوفر السكنى والأرض والحرف والمشاغل للمسلمين ، حتى تَفَصَّى من كثير من مشاكل اللاجئين الذين لم يكن لهم مال ولا دار ، وهيأ السلاح والكُرَاع والعدة والنفقات ، حصل على كل ذلك من غير أن يقوم بمثقال ذرة من الظلم والطغيان والبغي والعدوان على عباد اللّه ‏.‏


وقد غير أغراض الحروب وأهدافها التي كانت تضطرم نار الحرب لأجلها في الجاهلية ، فبينما كانت الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والإغارة والظلم والبغي والعدوان ، وأخذ الثأر ، والفوز بالوَتَر ، وكبت الضعيف ، وتخريب العمران ، وتدمير البنيان ، وهتك حرمات النساء ، والقسوة بالضعاف والولائد والصبيان ، وإهلاك الحرث والنسل ، والعبث والفساد في الأرض ـ في الجاهلية ـ إذ صارت هذه الحرب ـ في الإسلام ـ جهاداً في تحقيق أهداف نبيلة ، وأغراض سامية ، وغايات محمودة ، يعتز بها المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان ، فقد صارت الحرب جهاداً في تخليص الإنسان من نظام القهر والعدوان ، إلى نظام العدالة والنَّصَف ، من نظام يأكل فيه القوي الضعيف ، إلى نظام يصير فيه القوي ضعيفاً حتى يؤخذ منه ، وصارت جهاداً في تخليص "‏وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا"‏ ‏ ‏[‏النساء‏:‏75‏]‏ وصارت جهاداً في تطهير أرض اللّه من الغدر والخيانة والإثم والعدوان ، إلى بسط الأمن والسلامة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق والمروءة ‏.‏


كما شرع للحروب قواعد شريفة ألزم التقيد بها على جنوده وقوادها ، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحال ‏.‏ روى سليمان بن بريدة عن أبيه قال‏ :‏ كان رسول اللّه إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى اللّه عز وجل ، ومن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال ‏:‏ ‏( ‏اغزوا بسم اللّه ، في سبيل اللّه ، قاتلوا من كفر باللّه ، اغزوا ، فلا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً‏ .‏‏.‏‏. ‏‏)‏ الحديث_ رواه الترمذي (1408) وصححه الألباني _ ‏.‏ وكان يأمر بالتيسير ويقول ‏:‏ ‏( ‏يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا‏ )‏ ‏.‏ رواه مسلم (1734)


وكان إذا جاء قوماً بِلَيْل لم يُغِرْ عليهم حتى يُصبِح ، ونهى أشد النهي عن التحريق في النار ، ونهى عن قتل الصبر ، وقتل النساء وضربهن ، ونهى عن النهب حتى قال ‏:‏ ‏( ‏إن النُّهْبَى ليست بأحل من الميتة‏ )‏ رواه أبوداود (2705) وصححه الألباني ، ونهى عن إهلاك الحرث والنسل وقطع الأشجار إلا إذا اشتدت إليها الحاجة ، ولا يبقى سواه سبيل‏ .‏ وقال عند فتح مكة‏ :‏ ‏( ‏لا تجهزن على جريح ، ولا تتبعن مدبراً ، ولا تقتلن أسيراً‏ )‏ لم أجده مرفوعا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأمضى السنة بأن السفير لا يقتل ، وشدد في النهي عن قتل المعاهدين حتى قال ‏:‏ ‏( ‏من قتل معاهداً لم يُرِحْ رائحة الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً‏ )_ رواه البخاري (2995) _‏، إلى غير ذلك من القواعد النبيلة التي طهرت الحروب من أدران الجاهلية حتى جعلتها جهاداً مقدساً ‏.


غزوة بدر الكبرى


سبب الغزوة

قد أسلفنا في ذكر غزوة العشيرة أن عيراً لقريش أفلتت من النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذهابها من مكة إلى الشام ، ولما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشمال ، ليقوما باكتشاف خبرها ، فوصلا إلى الحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير ، فأسرعا إلى المدينة ، وأخبرا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالخبر .

كانت العير مركبة من ثروات طائلة من أهل مكة ، ألف بعير موقرة بالأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي ، ولم يكن معها من الحرس إلا نحو أربعين رجلاً .
إنها فرصة ذهبية لعسكر المدينة ، وضربة عسكرية وسياسية واقتصادية قاصمة ضد المشركين لو انهم فقدوا هذه الثروة الطائلة ، لذلك أعلن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين قائلاً : هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها .
ولم يعز على أحد الخروج ، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة ، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أن سيصطدم بجيش مكة _ بدل العير _ هذه الاصطدام العنيف في بدر ، ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة ، وهم يحسبون أن مضي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا الوجه لن يعدوا ما ألفوه في السرايا الماضية ، ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوة .

مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع القيادات

واستعد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ( 313،، 314، 317) ، 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين ، و 61 من الأوس و 170 من الخزرج . ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالاً بليغاً ، ولا اتخذوا أهبتهم كاملة ، فلم يكن معهم إلا فرسان ، فرس للزبير بن العوام ، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي ، وكان معهم سبعون بعيراً ليعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد ، وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وعليّ ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيراً واحداً.
واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم ، فلما كان بالروحاء ردّ أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة .
ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري ، وكان هذا اللواء أبيض .
وقسم جيشه إلى كتيبتين :


1_ كتيبة المهاجرين ، وأعطي علمها علي بن أبي طالب .
2_ كتيبة الأنصار ، وأعطى علمها سعد بن معاذ .


وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام ، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو _ وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش كما أسلفنا _ وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة ، وظلت القيادة العامة في يده(صلى الله عليه وسلم) كقائد أعلى للجيش .

الجيش الإسلامي يتحرك نحو بدر

سار رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في هذا الجيش غير المتأهب ، فخرج من نقب المدينة ، ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة ، حتى بلغ بئر الروحاء ولما ارتحل منها ، ترك طريق مكة بيسار وانحرف ذات اليمين على النازية ( يريد بدراً ) فسلك في ناحية منها ، حتى جذع وادياً يقال له رحقان ، بين النازية وبين مضيق الصفراء ، ثم مر على المضيق ، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء وهنالك بعث بسيس بن عمر الجهني وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتجسسان له أخبار العير .

النذير في مكة

وأما خبر العير فإن أبا سفيان _ وهو المسؤول عنها _ كان على غاية من الحيطة والحذر ، فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار ، وكان يتحسس الأخبار ، ويسـأل من لقي من الركبان ، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمداً(صلى الله عليه وسلم) قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة ، مستصرخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه .
وخرج ضمضم سريعاً حتى أتى مكة ، فصرخ ببطن الوادي اقفاً على بعيره ، وقد جدع أنفه وحول رحله وشق قميصه ، وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة ، اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث .

أهل مكة يتجهزون للغزو

فتحفز الناس سراعاً ، وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ؟ كلا ، والله ليعلمن غير ذلك ، فكانوا بين رجلين ، إما خارج ، وإما باعث مكانه رجلاً وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب ، فإنه عوض عنه رجلاً كان له عليه دين ، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب ، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي ، فلم يخرج منهم أحد .

قوام الجيش المكي

وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره ، وكان معه مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط ، وكان قائده العام أبا جهل بن هشام ، وكان القائمون بتموينه تسعة رجال من أشراف قريش ، فكانوا ينحرون يوما تسعاً ويوماً عشراً من الإبل .

مشكلة قبائل بني بكر

ولما أجمع هذا الجيش على المسير ، ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب ، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف ، فيكونوا بين نارين ، فكاد ذلك يثنيهم ، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي _ سيد بني كنانة _ فقال لهم : أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه .

جيش مكة يتحرك

وحينئذ خرجوا من ديارهم ، كما قال الله : "بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله "وأقبلوا كما قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) "بحدهم وحديدهم ، يحادون الله ويحادون رسوله "وقال تعالى "وغدوا على حردٍ قادرين "وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ، لا جتراء هؤلاء على قوافلهم .
تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في إتجاه بدر ، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان ، ثم قديد ، ثم الجحفة ، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها : إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، وقد نجاها الله فارجعوا .

العير تفلت
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي ولكنه لم يزل حذراً متيقظاً ، وضاعف حركاته الاستكشافية ، ولما اقترب من بدر تقدم عيره ، حتى لقي مجدي بن عمرو ، وسأله عن جيش المدينة ، فقال : ما رأيت أحداً أنكره ، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيرهما ، ففته ، فإذا فيه النوى ، فقال : هذا والله علائف يثرب ، فرجع إلى عيره سريعاً ، وضرب وجهها محولاً اتجاهها نحو الساحل غرباً ، تاركاً الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار . وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة ، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة .

هم الجيش المكي بالرجوع ووقوع الانشقاق فيه:

ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع ، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلاً : والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر ، وتعزف لنا القيان ، وتسمع بنا بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبداً .
ولكن على رغم أبي جهل أشار الأخنس بن شريق بالرجوع فعصوه ، فرجع هو وبنو زهرة _وكان حليفاً لهم ورئيساً عليهم في هذا النفير _ فلم يشهد بدراً زهري واحد ، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل واغتبطت بنوزهرة بعد رأي الأخنس بن شريق ، فلم يزل فيهم مطاعاً معظماً .
وأرادت بنو هاشم الرجوع ، فاشتد عليهم أبو جهل ، وقال : لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع .
فسار بالجيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة _ وهو يقصد بدراً _ فواصل سيره حتى نزل قريباً من بدر ، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر .

حراجة موقف الجيش الإسلامي

أما استخبارات جيش المدينة فقد نقلت إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) _ وهو لا يزال في الطريق بوادي ذفران _ خبر العير والنفير ، وتأكد لديه بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال للاجتناب عن لقاء دام ، وأنه لا بد من إقدام يبنى على الشجاعة والبسالة ، والجراءة ، والجسارة فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيماً لمكانة قريش العسكرية ، وامتداداً لسلطانها السياسي ، وإضعافاً لكلمة المسلمين وتوهيناً لها ، بل ربما تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسداً لا روح فيه ، ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة .
وبعد هذا كله فهل يكون هناك أحد يضمن للمسلمين أن يمنع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة ، حتى ينقل المعركة إلى أسوارها ، ويغزو المسلمين في عقر دارهم . كلا ، فلو حدث من جيش المدينة نكول ما لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم .

المجلس الاستشاري

ونظراً إلى هذا التطور الخطير المفاجئ عقد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) مجلساً عسكرياً استشارياً أعلى ، أشار فيه إلى الوضع الراهن ، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه ، وقادته ، وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس ، وخافوا اللقاء الدامي ، وهم الذين قال الله فيهم "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون "وأما قادة الجيش ، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : (( يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه )) فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) خيراً ودعا له به .

((أصل القصة رواها البخاري، كتاب التفسير))

وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين ، وهم أقلية في الجيش ، فأحب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يعرف رأي الأنصار ، لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم ، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم ، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة : (( أشيروا علي أيها الناس )) وإنما يريد الأنصار ، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ ، فقال :
والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟
قال : أجل
قال : (( فقد آمنا بك ، فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله )). رواه مسلم (1779)



وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) : لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها أن لا تنصرك إلا في ديارهم ، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم ، فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك ، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ، و والله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معـــك .
فسر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين : والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .البداية والنهاية (5/69) بإسناد صحيح

الجيش الإسلامي يواصل سيره

ثم ارتحل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من ذفران ، فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر ، ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدية ، وترك الحنان بيمين _ وهو كثيب عظيم كالجبل _ ثم نزل قريباً من بدر .

الرسول(صلى الله عليه وسلم) يقوم بعملية الاستكشاف

وهناك قام بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وبينما هما يتجولان حولا معسكر مكة ، إذا هما بشيخ من العرب ، فسأله رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عن قريش وعن محمد وأصحابه _ سأل عن الجيشين زيادة في التكتم _ ولكن الشيخ قال : لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : إذا أخبرتنا أخبرناك ، قال : أو ذاك بذلك ؟ قال : نعم .
قال الشيخ : فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا _ للمكان الذي به جيش المدينة _ وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا _ للمكان الذي به جيش مكة .
ولما فرغ من خبره قال : ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نحن من ماء ، ثم انصرف عنه وبقي الشيخ يتفوه ، من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟
سيرة ابن هشام (2/228)

الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي

وفي مساء ذلك اليوم بعث استخباراته من جديد ، ليبحث عن أخبار العدو ، وقام لهذه العملية ثلاثة من قادة المهاجرين ، علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه ، ذهبوا إلى ماء بدر ، فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة ، فألقوا عليهما القبض وجاءوا بهما إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وهو في الصلاة ، فاستخبرهما القوم ، فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم ورجوا أن يكونا لأبي سفيان _ لا تزال في نفوسهم بقايا أمل في الاستيلاء على القافلة _ فضربوهما موجعاً ، حتى اضطر الغلامان أن يقولا : نحن لأبي سفيان ، فتركوهما .

ولما فرغ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عن الصلاة قال لهم كالعاتب : إذ صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا والله ، إنهما لقريش .
ثم خاطب الغلامين قائلاً : أخبراني عن قريش ، قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، فقال لهما : كم القوم ؟ قالا : كثير . قال : ما عدتهم ؟ قالا : لا ندري ، قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف ، ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو البخترى بن هشام ، وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف في رجال سمياهم .
فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على الناس ، فقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها . رواه مسلم (1404)

نزول المطر

وأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطراً واحداً ، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طلا طهرهم به ، وأذهب عنهم رجس الشيطان ، ووطأ به الأرض ، وصلب به الرمل ، وثبت الأقدام ، ومهد به المنزل ، وربط به على قلوبهم .

الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية

وتحرك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بجيشه ، ليسبق المشركين إلى ماء بدر ، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه ، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر ، وهنا قام الحباب بن المنذر كخبير عسكري وقــال : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، قال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم _ قريش _ فننزله وتغور _ أي نخرب _ ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضاً ، فنملأه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : لقد أشرت بالرأي .
فنهض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بالجيش ، حتى أتى أقرب ماء من العدو ، فنزل عليه شطر الليل ، ثم صنعوا الحياض ، وغوَّروا ما عداها من القلب .
((وهذه القصة تتقوى وترتفع إلى درجة الحسن انظرمرويات غزوة بدرص (164))

مقر القيادة

وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يبني المسلمون مقراً لقيادته ، استعداداً للطوارئ ، وتقديراً للهزيمة قبل النصر ، حيث قال : (( يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقي عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك ، فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم ، يناصحونك ، ويجاهدون معك ))
فأثنى عليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) خيراً ، ودعا له بخير ، وبنى المسلمون عريشاً على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقي لميدان القتال ، ويشرف على ساحة المعركة . سيرة ابن هشام (2/233)
كما تم انتخاب فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ ، يحرسون رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حول مقر قيادته .

تعبئة الجيش وقضاء الليل

ثم عبأ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) جيشه ، ومشى في موضع المعركة ، وجعل يشير بيده : هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله ، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله .رواه مسلم (2873)
ثم بات رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يصلي إلى جذع شجرة هنالك ، وبات المسلمون ليلهم هادئ الأنفاس منير الآفاق ، غمرت الثقة قلوبهم ، وأخذوا من الراحة قسطهم ، يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحاً "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام "
كانت هذه الليلة ليلة الجمعة ، السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، وكان خروجه في 8 أو 12 من نفس الشهر .

الجيش المكي في ***ة القتال ووقوع الانشقاق فيه

أما قريش ، فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى ، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها ، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر ، وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فقال : دعوهم فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل ، سوى حكيم بن حزام ، فإنه لم يقتل ، وأسلم بعد ذلك ، وحسن إسلامه ، وكان إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني من يوم بدر ، فلما اطمأنت قريش بعث عمير بن وهب الجمحي ، للتعرف على مدى قوة جيش المدينة ، فدار عمير بفرسه حول العسكر ، ثم رجع إليهم فقال : ثلاثمائة رجل ، يزيدون قليلاً أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ فضرب في الوادي حتى أبعد ، فلم ير شيئاً فرجع إليهم فقال : ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادكم ، فما خير العيش بعد ذلك ، فروا رأيكم .

وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل _ المصمم على المعركة _ تدعوا إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال ، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس ، وأتى عتبة بن ربيعة فقال : يا أبا الوليد إنك كبير قريش ، وسيدها والمطاع فيها ، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر ؟ قال : وما ذاك يا حكيم ؟ قال : ترجع بالناس ، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي _ المقتول في سرية نخلة _ فقــال : عتبة : قد فعلت ، أنت ضامن علي بذلك ، إنما هو حليفي فعلي عقله ديته وما أصيب من ماله .
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام ، فأت ابن الحنظلية _ أبا جهل ، والحنظلية أمه _ فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره .

ثم قام عتبة بن ربيعة خطيباً فقال : يا معشر قريش ، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً ، والله لئن أصبتموه لا يزال ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته ، فارجعوا وخلوا بن محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون .
وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل _ وهو يهيئ درعاً له _ قال يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا ، فقال أبو جهل : انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه ، كلا ، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، وما بعتبة ما قال ، ولكنه رأى أن محمداً وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه _ وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديماً وهاجر _ فتخوفكم عليه .

ولما بلغ قول أبي جهل : (( انتفخ والله سحره )) قال عتبة : سيعلم من انتفخ سحره ، أنا أم هو؟ وتعجل أبو جهل مخافة أن تقوى هذه المعارضة ، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمي _ أخي عمرو بن الحضرمي المقتول في سرية عبد الله بن جحش _ فقال : هذا حليفك ( أي عتبة ) يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم فانشد خفرتك ، ومقتل أخيك ، فقام عامر ، فكشف عن استه ، وصرخ : واعمراه واعمراه فحمي القوم ، وحقب أمرهم ، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة . وهكذا تغلب الطيش على الحكمة وذهبت هذه المعارضة دون جدوى .

الجيشان يتراءان

ولما طلع المشركون ، وترآى الجمعان قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغــداة ". البداية والنهاية (5/83) بهذااللفظ وأصل القصة رواها البخاري(3953)

وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) _ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر _ إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا .
وعدل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) صفوف المسلمين ، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب ، فقد كان في يده قدح يعدل به ، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف ، فطعن في بطنه بالقدح وقـــال : " استو يا سواد " ، فقال سواد : يا رسول الله أوجعتني فأقدني ، فكشف عن بطنه ، وقـــال : استقد ، فاعتنقه سواد ، وقبل بطنه ، فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بخير .
رواه ابن إسحاق في سيرته ، وعبد الرزاق في مصنفه .

ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأن لا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة ، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب فقال : " إذا أكثبوكم _ يعني كثروكم _ فارموهم ، واستبقوا نبلكم_ رواه البخاري _ ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم " _ وهذه الزيادة عند أبي داود وضعفها الألباني ، ضعيف سنن أبي داود (2664) _، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة ، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش .

أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه ، فأحنه الغداة ، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم ، وفي ذلك أنزل الله "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين "

ساعة الصفر وأول وقود المعركة.
وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي _ وكان رجلاً شرساً سيء الخلق _ خرج قائلاً : أعاهد الله لأشربن من حوضهم ، أو لأهدمنه ، أو لأموتن دونه . فلما خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، قلما التقيا ضربه حمزة ، فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض ، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه ، يريد أن تبر يمينه ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض .

المبارزة
وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة ، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة ، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار ، عوف ومعوذ ابنا الحارث _ وأمهما عفراء _ وعبد الله بن رواحه ، فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار . قالوا : أكفاء كرام ، مالنا بكم حاجة ، وإنما نريد بني عمنا ، ثم نادى مناديهم : يا محمد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : قم يا عبيدة بن الحارث ، وقم يا حمزة ، وقم يا علي ، فلما قاموا ودنوا منهم ، قالوا : من أنتم ؟ فأخبروهم ، فقالوا : أنتم أكفاء كرام ، فبارز عبيدة _ وكان أسن القوم _ عتبة بن ربيعة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز علي الوليد ، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما ، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان ، فأثخن كل واحد منهما صاحبه ، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة ، وقد قطعت رجله ، فلم يزل صمتاً حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر ، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة .
وكان علي يقسم بالله أن هذه الآية نزلت فيهم : "هذان خصمان اختصموا في ربهم "
أصل القصة رواها البخاري (4374/4375)

الهجوم العام

وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة إلى المشركين ، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة ، فاستشاطوا غضباً ، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد .
وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم ، واستغاثوه ، وأخلصوا له ، وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتوالية ، وهم مرابطون في مواقعهم ، واقفون موقف الدفاع ، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة ، وهم يقولون : أحد أحد .

الرسول(صلى الله عليه وسلم) يناشد ربه

وأما رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ، ويقول : "اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ". حتى إذا حمي الوطيس واستدارت رحى الحرب بشدة ، واحتدم القتال ، وبلغت المعركة قمتها ، قال : "اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً ". وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فرده عليه الصديق ، وقال : حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك .رواه مسلم (1763)
وأوحى الله إلى ملائكته "‏أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ "وأوحى إلى رسوله : "‏أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ "أي ردف لكم ، أو يردف بعضهم بعضاً إرسالاً ، لا يأتون دفعة واحدة .

نزول الملائكة

وأغفى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إغفاءة واحدة ، ثم رفع رأسه فقال : أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع ( أي الغبار ) وفي رواية محمد بن إسحاق : قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : "أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النقع " رواه البخاري (3995)
ثم خرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من باب العريش ، وهو يثب في الدرع ويقول : "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ "ثم أخذ حفنة من الحصباء ، فاستقبل بها قريشاً وقال : شاهت الوجوه ، ورمى بها في وجوههم ، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة ، وفي ذلك أنزل الله : "‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ".


الهجوم المضاد

وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال : "شدوا "، وحرضهم على القتال ، قائلاً : "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة "وقال وهو يحضهم على القتال : "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض "، ( وحينئذ ) قال العمير بن الحمام : بخ بخ ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ قال : لا ، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها ، قال : فإنك من أهلها . فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ، فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل .رواه مسلم (1901)
وكذلك سأله عوف بن الحارث _ ابن عفراء _ فقال : يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ! قال غمسه يده في العدو حاسراً ، فنزع درعاً كانت عليه ، فقذفها ، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل .
رواه ابن أبي شيبة (19499) من طريق معاذ بن عفراء .

وحين أصدر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت ، وفتر حماسه ، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين ، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم _ وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه _ قاموا بهجوم كاسح مرير ، فجعلوا يقلبون الصفوف ، ويقطعون الأعناق ، وزادهم نشاطاً وحدة أن رأوا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يثب في الدرع في جزم وصراحة "‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ "فقاتل المسلمون أشد القتال ، ونصرتهم الملائكة .


ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال : كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه ، وتندر يد الرجل لا يدري من ضربها ، وقال ابن عباس : بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه ، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فقال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة .
وقال أبو داود المازني : إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري .رواه مسلم (1763) .

وجاء رجل من الأنصار للعباس بن عبد المطلب أسيراً ، فقال العباس : إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق ، وما أراه في القوم ، فقال الأنصاري : أنا أسرته يا رسول الله ، فقال : أسكت فقد أيدك الله بملك كريم .
أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/76) وقال : رواه أحمد والبزارورجال أحمدرجال الصحيح غيرحارثة بن مضرب وهو ثقة .

إبليس ينسحب عن ميدان القتال

ولما رأى إبليس ـ وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي كما ذكرنا ، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت .
فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه ، وتشبث به الحارث بن هشام ـ وهو يظنه سراقة ـ فوكز في صدر الحارث فألقاه ، ثم خرج هاربًا .
وقال له المشركون ‏:‏ إلى أين يا سراقة‏ ؟‏ ألم تكن قلت‏ :‏ إنك جار لنا، لا تفارقنا‏ ؟‏
فقال ‏:‏ ‏" ‏إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏ "‏ ‏[‏الأنفال‏:‏48‏] ‏، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر‏ .‏

الهزيمة الساحقة
وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون، حتى تمت عليهم الهزيمة‏ .

صمود أبي جهل

أما الطاغية الأكبر أبو جهل ، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل ، فجعل يشجع جيشه ويقول لهم في شراسة ومكابرة‏ :‏ لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على ميعاد من محمد ، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد ، فإنهم قد عجلوا ، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال ، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذًا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم ‏.‏
ولكن سرعان ما تبدت له حقيقة هذه الغطرسة ، فما لبث إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين ‏.‏
نعم ، بقى حوله عصابة من المشركين ضربت حوله سياجًا من السيوف ، وغابات من الرماح ، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج ، وأقلعت هذه الغابات ، وحينئذ ظهر هذا الطاغية ، ورآه المسلمون يجول على فرسه ، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدي غلامين أنصاريين‏ .‏

من روائع الإيمان في هذه المعركة

لقد أسلفنا نموذجين رائعين من عمير بن الحمام وعوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ وقد تجلت في هذه المعركة مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره فشفي منه غيظه‏.‏


1 ـ روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال لأصحابه‏:‏ ‏" ‏إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا "‏، فقال أبو حذيفة بن عتبة‏:‏ أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه ـ أو لألجمنه ـ بالسيف ، فبلغت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فقال لعمر بن الخطاب‏ :‏" يا أبا حفص ، أيضرب وجه عم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بالسيف‏ "‏، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه بالسيف ، فوالله لقد نافق ‏.‏
فكان أبو حذيفة يقول‏ :‏ ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عنى الشهادة‏ .‏ فقتل يوم اليمامة شهيدًا ‏.‏


2 ـ وكان النهي عن قتل أبي البختري ، لأنه كان أكف القوم عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو بمكة ، وكان لا يؤذيه ، ولا يبلغ عنه شيء يكرهه ، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب ‏.‏
ولكن أبا البختري قتل على رغم هذا كله، وذلك أن المُجَذَّر بن زياد الْبَلَوِىّ لقيه في المعركة ومعه زميل له ، يقاتلان سويًا ، فقال المجذر‏:‏ يا أبا البخترى إن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قد نهانا عن قتلك ، فقال ‏:‏ وزميلي ‏؟‏ فقال المجذر ‏:‏ لا والله ما نحن بتاركي زميلك ، فقال‏ : ‏والله إذن لأموتن أنا وهو جميعًا ، ثم اقتتلا ، فاضطر المجذر إلى قتله ‏.‏

3 ـ كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة ، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن ، وهو واقف مع ابنه على بن أمية ، آخذًا بيده ، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها ، وهو يحملها ، فلما رآه قال ‏:‏ هل لك في ‏؟‏ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك ، ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ‏؟‏ ـ يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن ـ فطرح عبد الرحمن الأدراع ، وأخذهما يمشى بهما ، قال عبد الرحمن ‏:‏ قال لي أمية بن خلف ، وأنا بينه وبين ابنه‏ :‏ من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره ‏؟‏ قلت ‏:‏ ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال‏:‏ ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل ‏.‏

قال عبد الرحمن‏ :‏ فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ـ وكان أمية هو الذي يعذب بلالاً بمكة ـ فقال بلال ‏:‏ رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أي بلال ، أسيري‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أتسمع يا بن السوداء‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏.‏ قال‏:‏ فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الْمَسَكَة، وأنا أذب عنه، قال‏:‏ فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت‏:‏ انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئًا‏.‏ قال‏:‏ فَهَبَرُوهُمَا بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول‏:‏ يرحم الله بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري‏ .‏
وفي زاد المعاد أن عبد الرحمن بن عوف قال لأمية : ابرك ، فبرك ، فألقى نفسه عليه ، فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه ، وأصاب بعض السيف رجل عبد الرحمن بن عوف .

وروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي ـ أي خاصتي ومالي ـ بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة ،‏ فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس الأنصار فقال‏:‏ أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه ليشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلاً ثقيلاً، فلما أدركونا قلت له‏:‏ ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه‏.‏ وكان عبد الرحمن يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه‏.‏

4 ـ وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، ولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، وهو في الأسر‏:‏ يا عباس أسلم، فوالله أن تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يعجبه إسلامك.

5 ـ ونادى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ـ وهو يومئذ مع المشركين ـ فقال‏:‏ أين مالي يا خبيث‏؟‏ فقال عبد الرحمن‏:‏

لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شَكَّةٍ ويَعْبُوب وصَارِمٍ يَقْتُلُ ضُلاَّل الشِّيَبْ

6 ـ ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم) في العريش ، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه ، رأى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له‏:‏ والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم‏ ؟‏ قال‏:‏ أجل والله يا رسول الله ، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلىّ من استبقاء الرجال ‏.‏



7ـ وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي ، فأتى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأعطاه جِذْلاً من حطب ، فقال ‏:‏ ‏( ‏قاتل بهذا يا عكاشة ‏) ‏، فلما أخذه من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) هزه ، فعاد سيفًا في يده طويل القامة ، شديد المتن، أبيض الحديدة ، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين ، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد ، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده ‏.‏ رواه ابن إسحاق في سيرته.

8 ـ وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين ، مر به وأحد الأنصار يشد يده ، فقال مصعب للأنصاري‏ :‏ شد يديك به ، فإن أمه ذات متاع ، لعلها تفديه منك ، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب ‏:‏ أهذه وصاتك بي ‏؟‏ فقال مصعب ‏:‏ إنه ـ أي الأنصاري ـ أخي دونك ‏.‏

9 ـ ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القَلِيب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في وجه ابنه أبي حذيفة ، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال‏:‏ ‏( ‏يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء‏ ؟‏‏ )‏ فقال‏:‏ لا والله ، يا رسول الله ، ما شككت في أبي ولا مصرعه ، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلاً ، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام ، فلما رأيت ما أصابه ، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك ‏.‏ فدعا له رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بخير، وقال له خيرًا‏ .

قتلى الفريقين

انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين ، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين ، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً ، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ‏.‏
أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة ، قتل منهم سبعون ، وأسر سبعون ،‏ وعامتهم القادة والزعماء والصناديد‏ .‏

ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حتى وقف على القتلى فقال ‏:‏ ‏" ‏بئس العشيرة كنتم لنبيك، كذبتموني وصدقني الناس ، وخذلتموني ونصرني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس "‏_ زاد المعاد (3/187) _ ، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قُلُب بدر ‏.‏
وعن أبي طلحة‏:‏ أن نبي الله(صلى الله عليه وسلم) أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش ، فقذفوا في طَويّ من أطواء بدر خَبِيث مُخْبث‏ .‏ وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرْصَة ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ، ثم مشى ، واتبعه أصحابه ‏.‏

حتى قام على شفة الرَّكِىّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ‏" يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله‏؟‏ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا‏ ؟ "‏ فقال عمر‏:‏ يا رسول الله ، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ‏؟‏
قال النبي(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏" ‏والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏ "‏ وفي رواية ‏:‏ "‏ما أنتم بأسمع منهم ، ولكن لا يجيبون‏ "‏‏.‏ متفق عليه

مكة تتلقى أنباء الهزيمة

فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة ، تبعثروا في الوديان والشعاب ، واتجهوا صوب مكة مذعورين ، لا يدرون كيف يدخلونها خجلاً ‏.‏
قال ابن إسحاق‏ :‏ وكان أول من قدم بمصاب قريش الحَيْسُمَان بن عبد الله الخزاعى ، فقالوا‏ :‏ ما وراءك ‏؟‏ قال ‏:‏ قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف ، في رجال من الزعماء سماهم ‏.‏ فلما أخذ يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحِجْر ‏:‏ والله إن يعقل هذا، فاسألوه عنى‏.‏ قالوا‏:‏ ما فعل صفوان بن أمية‏ ؟‏ قال‏:‏ ها هو ذا جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا ‏.



وقال أبو رافع ـ مولى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ كنت غلامًا للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهلَ البيت ، فأسلم العباس ، وأسلمت أم الفضل ، وأسلمت ، وكان العباس يكتم إسلامه ، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر ، فلما جاءه الخبر كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزًا ، وكنت رجلاً ضعيفًا أعمل الأقداح ، أنحتها في حجرة زمزم ، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طُنُب الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهرى ، فبينما هو جالس إذ قال الناس ‏:‏ هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب ‏:‏ هلم إلىَّ ، فعندك لعمرى الخبر، قال ‏:‏ فجلس إليه ، والناس قيام عليه‏.‏ فقال‏:‏ يا بن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس ‏؟‏ قال ‏:‏ ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا ، يقتلوننا كيف شاءوا ، ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لَقِينَا رجال بيض على خيل بُلْق بين السماء والأرض ، والله ما تُلِيق شيئًا ، ولا يقوم لها شيء ‏.‏

قال أبو رافع‏ :‏ فرفعت طنب الحجرة بيدى ، ثم قلت ‏:‏ تلك والله الملائكة ‏.‏ قال ‏:‏ فرفع أبو لهب يده ، فضرب بها وجهي ضربة شديدة ، فثاورته ، فاحتملنى فضرب بى الأرض ، ثم برك علىّ يضربني ، وكنت رجلاً ضعيفًا فقامت أم الفضل إلى عمود من عُمُد الحجرة فأخذته ، فضربته به ضربة فَلَعَتْ في رأسه شجة منكرة ، وقالت ‏:‏ استضعفته أن غاب عنه سيده ، فقام موليًا ذليلاً ، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة ‏( وهي قرحة تتشاءم بها العرب‏ )‏ فقتلته ، فتركه بنوه ، وبقى ثلاثة أيام لا تقرب جنازته ، ولا يحاول دفنه ، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له ، ثم دفعوه بعود في حفرته ، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه ‏.‏

هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر ، وقد أثر ذلك فيهم أثرًا سيئًا جدًا ، حتى منعوا النياحة على القتلى ؛ لئلا يشمت بهم المسلمون ‏.‏


ومن الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، وكان يحب أن يبكي عليهم ، وكان ضرير البصر ، فسمع ليلاً صوت نائحة، فبعث غلامه ، وقال ‏:‏ انظر هل أحل النَّحْبُ ‏؟‏ هل بكت قريش على قتلاها ‏؟‏ لعلي أبكي على أبي حكيمة ـ ابنه ـ فإن جوفي قد احترق ، فرجع الغلام وقال ‏:‏ إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته ، فلم يتمالك الأسود نفسه وقال‏ :‏
أتبكي أن يضـل لهــا بعيـــر ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكــي على بكــر ولكن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكى إن بكيت على عقيـل وبكى حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى جميعــا وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهـــم رجــال ولولا يوم بدر لم يسودوا


المدينة تتلقى أنباء النصر

ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بشيرين إلى أهل المدينة ، ليعجل لهم البشرى ، أرسل عبد الله بن رواحة بشيرًا إلى أهل العالية ، وأرسل زيد بن حارثة بشيرًا إلى أهل السافلة‏.‏

وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة ، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي(صلى الله عليه وسلم)، ولما رأي أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبًا القَصْوَاء ـ ناقة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ قال‏:‏ لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فَلاّ .

فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلميـن، فَعَمَّت البهجـة والسـرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلاً وتكبيرًا، وتقدم رؤوس المسلمين ـ الذين كانوا بالمدينة ـ إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بهذا الفتح المبين‏.‏
قال أسامة بن زيد:‏ أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلفنى عليها مع عثمان.

الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة

أقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام ، وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم ، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بأن يرد الجميع ما بأيديهم ، ففعلوا، ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة ‏.‏

عن عبادة بن الصامت قال ‏:‏ خرجنا مع النبي(صلى الله عليه وسلم)، فشهدت معه بدرًا ، فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون ، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، لا يصيب العدو منه غِرَّة ، حتى إذا كان الليل ، وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم ‏:‏ نحن حويناها ، وليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو‏ :‏ لستم أحق بها منا ، نحـن نحـينا منـها العـدو وهزمناه ، وقال الذين أحدقوا برسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ خفنا أن يصيب العدو منه غرة ، فاشتغلنا به، فأنزل الله‏:‏ ‏" ‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين "‏ ‏[‏ الأنفال‏ :‏1‏ ] ‏‏.‏ فقسمها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بين المسلمين‏.‏
رواه الترمذي (1561) وحسنه ووافقه الألباني

وبعد أن أقام رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ببدر ثلاثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه الأسارى من المشركين ، واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين ، وجعل عليه عبد الله بن كعب ، فلما خرج من مَضِيق الصفراء نزل على كَثِيب بين المضيق وبين النَّازِيَة ، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس ‏.‏

وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث ـ وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر ، وكان من أكابر مجرمي قريش ، ومن أشد الناس كيدًا للإسلام وإيذاء لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) ـ فضرب عنقه علي بن أبي طالب ‏.‏
ولمـا وصل إلى عِرْق الظُّبْيَةِ أمر بقتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْط ـ وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فهو الذي كان ألقى سَلا جَزُور على ظهر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو في الصلاة ، وهو الذي خنقه بردائه وكاد يقتله ، لولا اعتراض أبي بكر رضي الله عنه ـ فلما أمر بقتله قال ‏:‏ من للصِّبْيَةِ يا محمد‏ ؟‏ قال ‏:‏ ‏(‏ النار ‏) ‏‏.‏ فقتله عاصم ابن ثابت الأنصارى ، ويقال‏ :‏ علي بن أبي طالب‏ .‏
وكان قتل هذين الطاغيتين واجبًا نظرًا إلى سوابقهما ، فلم يكونا من الأسارى فحسب ، بل كانا من مجرمى الحرب بالاصطلاح الحديث ‏.

وفود التهنئة

ولما وصل إلى الرَّوْحَاء لقيه رؤوس المسلمين ـ الذين كانوا قد خرجوا للتهنئة والاستقبال حين سمعوا بشارة الفتح من الرسولين ـ يهنئونه بالفتح‏.‏ وحينئذ قال لهم سَلَمَة بن سلامة‏:‏ ما الذي تهنئوننا به ‏؟‏ فوالله إن لَقِينا إلا عجائز صُلْعًا كالْبُدْن المعُقَّلَةِ، فنحرناها ، فتبسم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، ثم قال‏ :‏ ‏( ‏يا بن أخي ، أولئك الملأ‏ )‏‏.‏
أخرجه الهيثمي في المجمع (10/23،24) وقال : رواه الطبراني وفيه حسين السلولي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات .

وقال أسيد بن حضير ‏:‏ يا رسول الله ، الحمد لله الذي أظفرك ، وأقر عينك ، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًا ، ولكن ظننت أنها عير ، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏(‏صدقت‏)‏‏.‏
ثم دخل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) المدينة مظفرًا منصورًا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها ، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة ، وحينئذ دخل عبد الله بن أبي وأصحابه في الإسلام ظاهرًا‏ .‏

وقدم الأسارى بعد بلوغه المدينة بيوم ، فقسمهم على أصحابه ، وأوصى بهم خيرًا‏ .‏ فكان الصحابة يأكلون التمر ، ويقدمون لأسرائهم الخبز ، عملاً بوصية رسول الله(صلى الله عليه وسلم) .

قضية الأسارى

ولما بلغ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشِيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا‏.‏
فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏(‏ ما ترى يا ابن الخطاب‏ )‏ ؟ قال‏:‏ قلت‏:‏ والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننى من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عَقِيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين‏ ،‏ وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم‏.‏



فهوى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء‏:‏ فلما كان من الغد قال عمر‏:‏ فغدوت إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ‏:‏ ‏( ‏أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة‏ )‏ ـ شجرة قريبة‏.‏
وأنزل الله تعالى‏:‏ "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏ "‏ ‏[‏الأنفال‏:‏67، 68‏]‏‏.‏ رواه مسلم (1383)

والكتاب الذي سبق من الله قيل‏:‏ هو قوله تعالى‏:‏ ‏" ‏فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء‏ "‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسارى؛ ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، وقيل‏:‏ بل الآية المذكورة نزلت فيما بعد، وإنما الكتاب الذي سبق من الله هو ما كان في علم الله من إحلال الغنائم لهذه الأمة، أو من المغفرة والرحمة لأهل بدر‏.‏

وحيث إن الأمر كان قد استقر على رأي الصديق فقد أخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء‏.‏

ومنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على عدة من الأسارى فأطلقهم بغير فداء، منهم‏:‏ المطلب ابن حَنْطَب، وصَيْفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجُمَحِى، وهو الذي قتله أسيرا في أحد، وسيأتي‏.‏
ومنّ على خَتَنِه أبي العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) رق لها رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على أبي العاص أن يخلى سبيل زينب، فخلاها فهاجرت، وبعث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار، فقال‏:‏ ‏( ‏كونا ببطن يَأجَج حتى تمر بكما زينب فتصحباها ‏)‏، _رواه أبو داود (2692) وحسنه الألباني _ فخرجا حتى رجعا بها‏.‏ وقصة هجرتها طويلة ومؤلمة جدًا‏.‏

وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيبًا مِصْقَعًا، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله ، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يَدْلَعْ لسَانُه، فلا يقوم خطيبًا عليك في موطن أبدًا، بيد أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) رفض هذا الطلب ، احترازًا عن المُثْلَةِ، وعن بطش الله يوم القيامة‏.‏
وخرج سعد بن النعمان معتمرًا فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد‏.‏

القرآن يتحدث حول المعركة

وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي ـ إن صح هذا التعبير ـ على هذه المعركة ، يختلف كثيرًا عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح‏ .‏
إن الله تعالى لفت أنظار المسلمين ـ أولًا ـ إلى بعض التقصيرات الأخلاقية التي كانت قد بقيت فيهم، وصدر بعضها منهم ، ليسعوا في تحلية نفوسهم بأرفع مراتب الكمال، وفي تزكيتها عن هذه التقصيرات‏.‏

ثم ثَنَّى بما كان في هذا الفتح من تأييد الله وعونه ونصره بالغيب للمسلمين ‏.‏ ذكر لهم ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم وبسالتهم ، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء ، بل ليتوكلوا على الله، ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصلاة والسلام ‏.‏
ثم بين لهم الأهداف والأغراض النبيلة التي خاض الرسول(صلى الله عليه وسلم) لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، ودلهم على الصفات والأخلاق التي تتسبب في الفتوح في المعارك ‏.‏

ثم خاطب المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، ووعظهم موعظة بليغة، تهديهم إلى الاستسلام للحق والتقيد به .‏
ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم ، وقنن لهم مبادئ وأسس هذه المسألة ‏.‏
ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة ، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية ، ويتفوق المسلمون في الأخلاق والقيم والمثل ، ويتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظر، بل هو دين يثقف أهله عمليًا على الأسس والمبادئ التي يدعو إليها ‏.‏

ثم قرر بنودًا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها ، والذين يسكنون خارجها‏.‏
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان ، وفرضت زكاة الفطر ، وبينت أنصبة الزكاة الأخرى ، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الأخرى تخفيفًا لكثير من الأوزار التي كان يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضربًا في الأرض ‏.‏

ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ، إثر الفتح المبين الذي حصل لهم في غزوة بدر‏.‏ فما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به الله بعد أن تَوَّجَ هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى الله، وحنينًا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أولاهم به من النعم،وأيدهم به من النصر، وقد ذكرهم بذلك قائلًا‏:‏ ‏" وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ "‏ ‏[‏الأنفال‏:‏26‏]‏‏.


أشكركم أحبابي في الله
وجعله الله في ميزان حسناتنا و عم بنفعه
الجميع بأذن الله تعالى




توقيع mr.alaa24 :
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]



عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


قديم 04-01-2013, 01:53 AM   #9

RoOoMyoOo
عضو لامع



الصورة الرمزية RoOoMyoOo


• الانـتـسـاب » Mar 2011
• رقـم العـضـويـة » 82845
• المشـــاركـات » 1,423
• الـدولـة » alexandria
• الـهـوايـة » Ping Pung
• اسـم الـسـيـرفـر » Centaurus
• الـجـنـس » Male
• نقـاط التقييم » 1618
RoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزهRoOoMyoOo منفـرد بتميـزه

RoOoMyoOo غير متواجد حالياً

2774  


إرسال رسالة عبر Yahoo إلى RoOoMyoOo

افتراضي



جزاكم الله خيرا


توقيع RoOoMyoOo :




THE BEST IN THE WORLD

CM PUNK

Cult OF Personality


موضوع مغلق


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى الردود آخر مشاركة
البرازيل وكولومبيا سهرة كروية تستحق المشاهدة .a7la-smile. قـسـم الـريـاضـة الـعـامـة 0 17-06-2015 05:53 PM
السيرة النبوية الشريفة (بحقوق المنتدى) SŦorm القـسـم الإسـلامـى الـعـام 14 25-05-2013 08:06 PM
๑۩۞۩๑ تحميل جميع تلاوة القران بجميع اصوات العذبة و الاحاديث النبوية الشريفة ๑۩۞۩๑ Un_Wanted القـسـم الإسـلامـى الـعـام 19 16-03-2010 07:55 PM
السيره النبوية dark2010 القـسـم الإسـلامـى الـعـام 54 26-07-2009 07:47 AM


الساعة الآن 05:22 AM.

أقسام المنتدى

الـمـنـتـدى الـعـام @ مـنـاقـشـات عـامـة حـول سيلك رود أون لايـن @ قـسـم الـتـرحـيـب و الـتـعـارف @ صـور سـيـلك رود @ فـيـديـو سـيـلك رود @ أخـبـار سـيـلك رود أون لايـن @ مـنـتـدى لـعـبـة SilkroadOnline @ الـقـسـم الـتـعـلـيـمـى @ قـسـم الاسـئـلـه و الاسـتـفـسـارات حـول الـلـعـبـة @ قـسـم الـبـرامـج الـمـسـاعـدة @ الـمـنـتـدى الادارى @ قـسـم خـاص بـالـمـشـرفـيـن @ قـسـم الـشـكـاوى والاسـتـفـسـارات @ قـسـم الاقـتـراحـات @ قسم البيع والشراء (Gold) @ منتدى البيع( Gold) @ منتدى الشراء (Gold) @ مـنـتـدى الـبـرامـج والـحـمـايــة @ طريق الحرير بالسيرفر الكورى ( Korean SilkRoad ) @ قـسـم الـ AgBot @ منتدى بيع الأكونتات ( Accounts ) @ منتدى بيع اللبس والأسلحة ( Item ) @ منتدى شراء اللبس والأسلحة ( Item ) @ مـنـتـدى الـسـيـرفـرات والـجـايـلـدات الـعـربـيـة @ Flora @ Minerva @ Feronia @ Bellona @ منتدى سـيـرفـرات وجـايـلـدات [ Silkroad Online ] @ قسم المواضيع المكررة و المخالفة @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول البوت @ مـنـتـدى الـبـوتـات والـبـرامـج اللازمـة لـتـشـغـيـل الـلـعـبـة @ قـسـم الـ PhBot @ -== قسم ال T-BOT ==- @ Ceres @ بـعـيـدآ عـن سـيـلـك رود @ سـجـل تـطـويـرات الـمـنـتـدى @ قـسـم الـسـيـرفـرات الـخـاصـة @ القـسـم الإسـلامـى الـعـام @ قـسـم الـحـمـايـة @ آرشـيـف الـمـواضـيـع الـمـمـيـزة @ قـسـم الـ StealthLite Bot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Agbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال StealthLite @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال PHBOT @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال T-BOT @ قـسـم الـ SroKing Bot @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Silkroad Online ] @ Flora @ Ceres @ Bellona @ Minerva @ Feronia @ قـسـم شـهـر رمـضـان الـمـبـارك 2020 @ اخـبـار الـتـقـنـيـة و الـتـكـنـولـوجـيـا @ قســم البــرامج العامــة @ قسم الاسئلة و الاستفسارات الخاصه بالبرامج والحماية @ ECSRO @ ECSRO(Fembria) @ ECSRO(VIP) @ SJSRO (OLD) @ SJSRO (new) @ sunworld @ قـسـم الـ IBot @ قـسـم الـريـاضـة الـعـامـة @ Vsro @ Rusro @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Private-SRO ] @ ZSZC & Aurora @ قـسـم الـ Sbot @ قـسـم الـ Mbot @ V.I.P Zone @ دردشة الاعضاء VIP @ قسم الدعم الفنى والاقتراحات VIP @ قـسـم تـعـديـل [ PK2 Edit ] @ Mysro @ الــمكتبة القرانية @ قسم الصوتيات والمرئيات الإسلامية @ قسم المكتبة الإسلامية @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال IBOT @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Sbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Mbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Sroking @ Elite & Eroad @ DreamWorld @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات [ Silkroad-R ] @ Maycena @ قسم الاسئلة و الاستفسارات لعمل السيرفرات الخاصة @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء [ Silkroad-R ] @ مـنـتـدى الـسـيـرفـرات الـخـاصـة - Private SRO @ Perfection @ Ex.Silkroad R @ SroKings @ قـسـم الـتـصـامـيـم والـجـرافـيـكـس @ Other Online Games @ قـسـم S4 League @ قسم CrossFire @ قسم Conquer Online @ قـسـم بـيـع وشـراء LOL @ تـحـمـيـل ألـعـاب Pc Games @ طلبات و استفسارات و مشاكل الالعاب @ Barons Online @ (AriesOnline (Pvp @ QueenSRO Network @ مشاكل & استفسارات S4 League @ مشاكل & استفسارات CrossFire @ World's Gate @ Sun-World @ قسم Aion @ قسم Continent Of The Ninth @ قسم World Of Warcraft @ PanicSro @ الـقـسـم الاخـبـارى @ قـسـم خـاص بـمـواضـيـع الاعـتـزال والاجازات @ IceSro-R @ Kings_Silkroad @ Justice Road @ ArabianRoadOnline Network @ Devias Online @ قـسـم طـلـبـات الـفـحـص @ CrossFire Fantasy Game @ قسم هاكات CrossFire @ مشاكل & استفسارات Aion @ مشاكل & استفسارات Conquer Online @ قسم الاسئله و استفسارات للعبة League Of Legends @ legenD road @ WantedSro Online @ قسم شروحات الشخصيات والبيلدات @ قسم الشروحات و البرامج المستخدمة في عمل السيرفرات الخاصة @ Mixsro @ قـسـم الـمـسـابـقـات والألـعـاب @ قـسـم الأسـئـلـة والاسـتـفـسـارات الـمـتـعـلـقـة بـ SRO-R @ LegenD Road @ Knights War Online @ Evolution Network @ FlagSRO Network @ Perfection (PvP) Network @ قـسـم هـاكـات S4league @ منتدى المنوعات @ حــرب العصــابــات @ قــســم الادارة الــعــلــيــا @ كــأس العالــم لـلاذى @ Destructions Network @ FanTasYWorld @ مـتـجـر خـدمـات وممـيـزات الـرصـيـد الـبـنـكـي @ Smart-Sro Online @ InFusion Online @ قـسـم الأنـمـى الـعـام @ Divine Online @ قـسـم Dota @ تـقـاريـر وأخـبـار ألـعـاب الـ PC @ GameXen Network @ inferno online @ منتدى عمل السيرفرات الخاصة @ قسم الحماية والاوتوايفنت للسيرفرات الخاصه @ الأسئلة و الاستفسارات الخاصة بالـ PK2 edit @ Velestia @ Punisher Sro Online @ Atlantis Online @ ALEXNADER SRO @ Hell World Online @ ImmortalRoad @ قـسـم الـ Centerbot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال Centerbot @ Time.Sro-Online @ Revenge (PVE) Online @ مـنـتـدى Silkroad4arab || Games Online @ ركن الالعاب الاون لاين و المتصفح Online Games @ قسم دروس التصميم (مونتاج - فوتوشوب) @ قسم ادوات التصميم و ملحقاتها @ قسم المانجا @ قسم تقارير الانمي @ دورة الفوتوشوب للمبتدئين @ الشروحات العامة @ قسم طلبات التعريفات @ مـسـودة الأعـضـاء @ Creddy Online @ Alliance-sro @ Quick Road (PvP ) @ قسم الاسئله والاستفسارات لعمل الفيديو @ منتدى لعبة League Of Legends @ أخبار ومناقشات League Of Legends @ قسم بيع وشراء لعبة CrossFire @ القسم التعليمي للعبة League Of Legends @ منتدى سيرفرات [ LOL ] @ North America @ EU West @ EU Nordic & East @ صـور و فـيـديـو League Of Legends @ قسم طلبات واستفسارات البيلدات والشخصيات @ قسم تقارير المخالفات والإنذارات @ قـسـم كـشـف الـدمـج و الـتـلـغـيـم @ قسم Wolf team @ قسم Dota 2 @ قسم Dragon nest @ قسم DC Universe Online @ قسم انظمة تشغيل Windows @ Quenth Online @ Wolf team Arabic @ RealDreamSro ( PvP ) @ EmpireSRO @ Amazing Sro @ Speed-sro @ . Destructions Network @ SilkRoad E 80 China @ قـسم المــواضـيع الـشعـريه والادبـيـه @ قـسـم اخـبـار الانـمـى @ Greats-sro Online @ قـسـم الـكـومـيـكـس @ منتدى الفحص @ Srowing @ Dakupra-Online @ حرب العصابات @ قسم خاص بالاسئله والاستفسارات الخاصة بالجرافيكس @ منتدى لغات البرمجة و التطوير @ قسم شروحات لغات البرمجة و التطوير @ مناقشات لغات البرمجة و التطوير @ قسم الاسئلة و الاستفسارات الخاصه بلغات البرمجة @ استراحة البوتاتــ @ PantuSRO @ القسم التجارى الرسمي ( Vps Hosting , Diacated server,Silkroad edit ) @ Tyr Online @ RocSro @ Legend Of Silkroad @ Pioneer Gaming-Network @ Valentus - CAP 80 @ MirrorSro @ Eridanus Online Cap90 @ Fear-Sro @ Silkroad-Z Online PVE @ طـلبات الاعضـاء @ Massive-Network @ Kryptonite-Sro @ DeathRoad @ Mysro Servers @ Devils Team @ DooMSRO Network @ EROAD SRO @ Story-SRO @ Ventrue-Online @ Settlers-SRO @ Electus Online @ MarsRoad Online @ Arrow Online @ Selene @ Hermes @ OldSro Online (cap 80 ) @ Sunroad @ Eloys Online @ Sentiero-Road Online @ Steam-Sro @ Arcane Reborn Online @ Eryxonline @ Vengeance Online @ Mirage Online @ SyndiCateOnline @ Desert Sro @ NeSro Network @ قسـم الـ Android @ قســم تــطويـر المــواقع والمــنتديـــات @ قـسـمـ الـلـهــو الـخــفــي @ MegaWar Sro @ Mirror Sro @ AdvancedSRO @ OblivionSilkroad @ Arrivals_Sro @ Amphibius Online @ Royal online @ Forbidden-Sro @ vanish-sro @ Majesty Online @ Chaos Network @ قـسـم الـ srAssist Bot @ قسم الاستفسارات ومشاكل وحلول ال srAssist Bot @ Damocles Sro @ Demo Sro @ KingsRoad @ Arius 9D ch & eu @ brother sro @ DreamWorld-Online @ Poseidon-Sro @ Ph-Sro @ Jupiet-Online @ Fury Sro @ JungleSro @ Xemia Games @ invctus-sro @ Revolution Gaming Network @ DemonSro @ Aeolus @ Golden Sro @ Chaos Network @ Chaos II Online @ Fallen Soul @ Xian @ Xian @ Revira online @ قسم اللياقة البدنية @ كاس العالم للاذي 2018 @ Unix Sro @ Immortal SRO @ قـسـم الاغـانـى الـعامة [English - Arabic - Videos] @ قـسـم الـرابــ (Rap) @ أرشـيـف الـمـواضـيـع الـمـمـيـزة @ Perfection SRO @ Rev-Sro @ Egypt Sro @ قـسـم خـاص بالـ Data Base @ قـسـم PUBG Mobile @ قـسـم Fortnite @ PureSRO @ Battle-Online @ قـسـم تـحـمـيـل الأفـلام الـعـربـيـة @ قـسـم الـسـيـرفـرات الـخـاصـة الـمـجـانـى @ URBANO-SRO @ Royalty-Road Online @ Zero-Online @ Anoha 140 PVE @ Anoha 140 PVE @ Exorue 80 CH @ Pantu-SRO @ Victor SRO @ Flare Online @ Aeolian Online @ Maygen Online @ Norges Online @ Ragnis Online @ قـسـم الـ [ ST-FILTER ] @ Requer Online @ الـقـسـم الـتـجـاري لـ ISRO [خاص فقط لبيع منتجات اللعبة الاصلية] @ Dynastic online @ مـنـتـدى الـسـيـرفـيـرات الـتـركـي والـروسـي @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات الـسـيـرفـر الـتـركـى [TR-SRO] @ Troy @ Smyrna @ Side @ Olympos @ Teos @ Perge @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء الـسـيـرفـر الـتـركـي [ TR-SRO ] @ قـسـم سـيـرفـرات وجـايـلـدات الـسـيـرفـر الـروسـي [ RU-SRO ] @ قـسـم الـبـيـع والـشـراء الـسـيـرفـر الـروسـى [ RU-SRO ] @ Miele Online @ Old Silkroad - ZSZC @ Paranormal @ Aquarius Online @ T-SRO online @ Glory @ Serv Game @ Roxy Online @ Enfexia Online @ Aege Online CAP 110 @ Florian Online @ SroPace Online @ Elessea Online @ Dream World @ Asona Online @ Victus-R Online @ Rexall Online @ Pirate Online @ Vela Online @ Sever Games @ ZSC ONLINE @ 4TresSro Online @ Asteria Online @ Liguard Online @ Cripple Online @ Dune Online @